الثلاثاء، 23 يوليو 2019

الفضول .. اين يأخذنا / أشكاله / انواعه / تأثيرة


ثمـــة نكتة شهيرة تقول أن رجلاً كان يجلس عند (رأس ) الجسر
وهو يردد بصوت عال الرقم خمسة عشر على نحو مستمر  وكان
العابرون يمرون به من دون ان يأبهوا له او يهتموا بما  يقول ولكن
واحداً  من اولئك العابرين أستبد به الفضول  وتملكته  الحيــرة عن
السبب الذي  يدفع هذا الرجل  الى ترديد الرقم (15) دون غيره من
الارقام قرر أن يسأله :  لماذا تردد الـــرقم ( 15)  دون أنـــقطاع  ؟
فما كان من الرجل الا  ان رماه في النهر وبدأ يردد  بصوت  أعلى
ستة عشر  ... ستة عشر ... ستة عشر
أنها حــكاية قد ينطبق  عليها المثل القائــل :   (( من تدخل فيــما
لايعـــنيه  لقي مــا  لا  يرضيه  )) .. وربما يقول قائل  أن بطل هذه
النكتة لم يتدخل  فيما لايعنيه  لكي يلقي ما لا يرضيه بل أبدى فضولاً
مشروعاً نمتلكه جميعاً عندما يستوقفنا  مايثير الفضول  ... او يقول
ثالث  أن علينا ان نكبح مثل هذا الفضول ونتحكم به بالقطارة لنخرج
بالكمية  المفيدة منه للحياة  ولا نهدر قطرة زائدة  منه  في غير مكانها
او زمانها  حتى لا نلقى نفس المصير .. قول معقول ولكن ! نحن نتحدث
عن الفضول الايجابي طبعاً وليس عن شيء أخر  وبعض  المهن يكون 
الفضول - جزءاً لايتجزء من عامل الابداع فيها  كالفن  او الصحافة 
او الادب  او التصوير الفوتغرافي  وبذلك تكون الدعوة لقمع الفضول
أمراً في غير محله .. الفنان الراحل ( نور الشريف ) مثلا يقول انه
مولع بمراقبة الناس  في كل مكان  وانه يعتبر هذا الفضول  أمـــراً
ضروريــاً للفنان الذي  يريد ان يجسّد مختلف الادوار على المسرح
او في السينما باتقان  وتميز  المصّور الصحفي المحترف ايضاً يتسلح
بالفضول من أجل الفوز بلقطة طريفة  قد لاتخطر على بال المصور  

نفسه  :  ثقب في حذاء أمير .. او أنف تعبث به يد وزير  او نائب يغط
في النوم على مقاعد البرلمان ... لقطات عالمية شهيرة  تكمن شهرتها
في الطرافة التي تحــقـقها المفارقة والصبر الذي  يـخـلقه  الفضـــول   
سأل صحفيــاً فيه قليل من الجد  وكثير من الهزل  أن كان يعتبر نفسه
فضولياً فقال  :  تمر الاشياء أمام أنظارنا  جميعاً ولكن البعض  منــا
يراها  والبعض الاخر لايراها ... وانا أنظر الى الاشياء التي تمر أمام
عيني لكي  أراها ... خصوصاً عندما يكون الجو جميلاً ومعتدلاً 
فقلنا له :  ماعلاقة الجو بالموضوع ؟  قال :  الجو الجميل يجعل الحالة
النـفسية رائــقة ... ومـن ثم فأن ذلك يجعلني أرى جيداً. فأنا لا استطيع 
اكـون فـضوليا فـي ظهيرة تمـوزية بـل اكـون مغليـاً يريد أن يصل  بيته
بأٍسرع وقت ليرفع عنه الغطاء ويبدد البخار المحتبس .. اما أيام الخريف 
فيحصل نوع من ( الدوار ) مرتبط بهذا الانقلاب الموسمي الكبير فاصبح
أكثر شاعرية وتأملاً وتثير ابسط الاشياء فضولي وتستوقفني  لكي اراها
واتمعن فيها  مثل : اثمار الحمضيات ... وقطع الغيوم في السماء .. ورائحة
الصباح الطازجة .. وطوابير النمل الجميلة .. وتوهج النار في المدفأة 
أو نقر الكعوب المدببة لأحذية النساء 
يــــــــاله من خليط غير متجانس لاثارة فضول صحفي هازل  ومع ذلك
فالفضول يتخذ اشكالاً متعددة  مفيدة  وضارة ... ملعونة ومطلوبة  فهو 
للطفل ممر الى المعرفة  وتعرض مباشر للخطر  وللباحث عن الحقيقة 
قنديل ضوء  حتى في وضح النهار وللاحمق العابث بالوقت لعنة عليه 
وعلى الاخرين ..، والفضول أيضاً هو أداة مهمة للانثربولوجي والاثاري
وللعالم .. فقطعة الحجر التي قد تثير فضول  احد هي للاثاري مادة دسمه
للنظر ..وماقد تعتبره انت سُخفاً  او هراء في السلوك البشري قد يكون 
للانثربولوجي  موضوعاً غنياً  للدراسة والتحليل وماتمر انت به مرور
الكرام من ظواهر الطبيعة  قد يكون للعالم مدعاة لوقفة طويلة من التأمل
والمراقــبة .. والتأريخ يخبرنا  كم من الاكتشافات  العلمية خرجت من 
رحم اكثر الاشياء مألوفية واعتياداً في حياتنا ... فنظرية أرخميدس خرجت
من الحمام  وأختراع القاطرة  البخارية  خرج من المطبخ .. وقانون 
الجاذبية  خــرج من حديقة المنزل ... ولا أحد يعلم على وجه الدقة  او 
التخمين كم مليوناً من البشر عبر العصور قد رأى مشهد  سقوط التفاحة 
من الشجرة  دون ان يطرأ على بال   واحد منهم ان يسأل   :-  ولــــكن لماذا
لاتسقط التفاحة  الى (( أعلى )) حتى جاء نيوتن فحوّل بعينيه  النهمتين
ذلك المشهد العادي (جداً ) الى واحد من اكثر  القوانين الكونية المكتشفة
اهمية في عصرنا الحالي 
أقــدم المهن  جميعاًً على الارض الا وهي الطفولة  لاتُذكر  الا  ويُذكر معها
الفضول :  وفضول الاطفال  هو اكثر انواع الفضول لجاجة في العالم .. وليس
اكثر أزعاجاً  الى الاب  أو الأم من طفل يتملكه الفضول حول بديهية ما 
فيتحول الى ذبابة تظل تحوم حول ذلك الشيء البديهي وماتنفك تعود اليه 
مهما ((كششتها )) عنه ... والبديهات التي تثير فضول الاطفال لاتعد  ولا 
تحصى  : لماذا الليمون حامض  والطماطة حمراء  والقمر ابيض والشمس 
تشرق وتغيب  والليل يأتي  ويروح والقطة لاتتكلم والنجوم لا تسقط والانسان
يكبر ويشيخ والبذرة تنمو وتثمر .. واسئلة الصغار دوما اكبر من اجوبتنا  
واشد براءة وصدقا وحماسا منها .. انها المفاتيح  الاولى للمعرفة .. وتعاملنا
مع ذلك الفضول لا زال تنقصه الامانة  والصبر  بدعوى الخجل او العيب او 
ضيق  الوقت .. كما اننا قد نحبطه بالاستخفاف  او الضيق  به في الوقت الذي
يتوقف على استجابتك  لفضول طفلك  وتفاعلك مع اسئلته الكثيرة مديات 
حيويته  الفكرية وارهاصات  تلون  مخيلته  ومع ذلك فأجابة فضوله  يجب ان
يكون هو الاسفنجة التي تمتص انبهاره بهذا العالم  وهو يلامس  اسراره  او
يدشنها بحواسه  لأول مرة لكي يظل  في داخله  الشاعر الذي يرى العالم وينبهر
به دائماً كما لو كان يراه للمرة الاولى 
يرى السر ((جيمس فريزر )) في غصنه الذهبي موكب  الـــفضول   أستمر 
في سيره الصامت  بين الظل  والنور  والغمام وضوء الشمس عبر الارض  فخواص
العقاقير والمعادن واسباب سقوط المطر والرعد والبرق  وتغير الفصول 
واوجه القمر  ومدار الشمس اليومي والسنوي وحركة النجوم  وسر الحياة 
والموت واسرار الظواهر الطبيعية كلها اشياء  أستثارت  فضول ودهشة  الساحر
البدائي  وحفزته على ايجاد حلول للمشاكل  التي كان الانسان  البدائي  يتوقعها
بل ويطالب الساحر في كثير من الاحيان بالتحكم فيها لصالح الانسان . ونحن الان
ننظر الى الاراء التي اعتنقها  الانسان البدائي على انها خاطئة وسخيفة  ومع
ذلك فان تلك الافتراضات كان معترفاً بها  في حينها  وهي التي  مهدت الطريق
الى النتائج الباهرة  التي توصل اليها الباحثون في الطب  والجراحة والكيمياء
والفيزياء وكل فرع من فروع العلوم الطبيعية  منذ العصور التي تلت اولئك  الرجال
الاوائل وحتى الان 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق