لماذا نضيع رأس الخيط ومامعنى كلمة : على لساني ؟
التعب وقلة الاهتمام وتداخل المعلومات من أسباب النسيان
ما الحد العادي للنسيان ؟ وماهو حالنا لو لم تتوفر لدينا هذه
النعمـة ؟ نعم ...النسيان نعمة ، ولوحدث أن دماغنا سجل كل
شيء بوضـوح ، هكذا كل دقيقة ..لنتجت كارثة . فاذا مانسيت
شيئأ، فلا تقلق ,,, وأحمد الله على موهــبة النسيـــان
النسيان ممارسة يومية ..مشاكل لاحصر لها تقع فيها سببها
الذاكرة ... ويسمـونها النسيان .. أو ضــعف الذاكرة .. ولكن لا
عــلاقة لـــذلك بــدرجة الذكاء ..البعض يحفـظ مايقرأه بسهولة
كقصيدة مثلاً .... والاخر يحتاج الى أعادات حتى يحفظ ماقرأ
لنقم سوية بتجربة بسيطة : نضع عشر كلمات لا على التعيين
ونحاول التمعن بكل كلمة لمدة ثانيتين . لنركز بعدها ولمدة نصف
دقيقة على شيء اخر نعود بعدها لنحاول ولمدة عشرين ثانية
تذكر الكلمات العشر السابقة ولكن بدون غش , يوصي العلماء
بأن لانخجل اذا لم نتذكر منها خمساً او اربع كلمات وربما اقل
ويأمرون بمنح جائزة لمن يتذكر خلال هذا الوقت القصير اكثر
من ست كلمات او ادخاله في كتاب الارقام القياسية ، ومثل هذه
التجربة ليست بالسهولة التي تبدو عليه اول وهلة . أختبار يلقي
الضوء على مايقوم به المخ البشري اثناء تعامله بالمعلومة التي
يتلقاها وكيف تتم عملية النقل من محطة ذاكرة الامد القصير الى
محطة ذاكرة الامد الطويل وبدون انقطاع وما يختزن لفترة وما
يرمى في سلة المهملات او يوضع على الرف والعملية متواصلة
بدون انقطاع لان مخنا يضخ وبأستمرار بانطباعات ومعلومات من
العالم المحيط بنا .هذه التجربة تكشف لنا امكانية مهمة للمخ البشري
الا وهي امكانية النسيان .. حقاص انها لقدرة وامكانية وليست ضعفا
او مرضا على الرغم من اننا متفقون على ان الذاكرة الجيدة يمكن ان
تكون ذات عون كبير وليس اقل منها عونا القدرة البارزة على الاستطاعة
على النسيان . فللنقيظين دور هام في حياتنا وان لم تصدقوا حالة انسان
لايستطيع النسيان .. كل حدث يمر بتفاصيله على مخه مرة يبقى حاضرا
امامه يطن في رأسه كسرب نحل او ثلة من المشاغبين تصرخ فقط من
اجل لفت الانتباه حولها . وقد وجد مثل هذا الانسان فعلا في روسيا
صحيح انه اذا قيس بعامة الناس فهو فلتة من عجائب العالم ولكنه بلا
حسد يعاني وبصورة فضيعة من هذه ((النعمة )) مخه غارق بالمعلومات
والوقائع لذا فهو مشتت وليس باستطاعته قراءة كتاب او التفكير بصورة
تجريدية منطقية . أنه بأختصار تعيس لانه لايستطيع النسيان
يعتبر اطباب الاعصاب المخ نوعا من الفلتر ومن خلال هذه التقنية او
المكننة الرقابية الدقيقة الماهرة جدا تتم عملية اتحاد القرار الحاسم لكل
معلومة تصل المخ ان كانت حقاً تستحق الخزن والاسترجاع عند الحاجة
والعملية تبدأ من المخزن الاول والمسمى " فوق الذاكرة القصيرة الامد " في
هذا الجزء من ارشيفنا العقلي تحفظ الافكار والانطباعات لمدة حوالي عشرين
ثانية فان فقدنا الاهتمام بها خلال ذلك نسيناها كلها . وهذا مااعايشه كل منا
فبينما يسرد احدنا حكاية يقاطع فجأة بحدث ما يوجه نحوه الاهتمام مؤقتا .واذا
اردنا الاستمرار بسرد الحكاية نكون قد نسينا عم كنا نتحدث وكما يقال رأس
الخيط ضاع .لماذا ؟ بكـــل بساطة ... الذاكرة القصيرة الامد رمت المعلومة
الاولى بعد مضي العشرين ثانية في سلة المهملات وان لم يكن المتحدث قد
شغل المرحلة الثانية او المخزن الثاني في مخه الاوهي "الذاكرة طويلة الامد " ففي
هذه الحالة سرعان مايجد رأس الخيط لان هذا المخزن من نظام الخزن العقلي
يحتفظ بالمعلومة لمدة حوالي الساعه . اليس ذلك بنظام غريب وفعال ؟
يرى العلماء اننا بدونه لسنا بالمكانة التي نستطيع من خلالها شغل انفسنا
بامور انية . فالذاكرة قصيرة الامد هي التي تقودك عند ذهابك للسوق بسرعة
لشراء حاجة معينة الى الهدف المطلوب . فهي التي حصلت على المعلومات
المطلوبة الخاصة بتلك الحاجة من مخزن ذاكرة الطويلة الامد وسرعان ماتمسح
من الذاكرة بعد الشراء اللهم الا اذا كان هناك سبب اخر للتفكير بها ثانية .
الطفولة والذاكـــــــــــرة
ايام الطفولة ... ذكريات حلوة ... بحلوها ومرها فهي حلوة ولكن الى اي مدى
يمكن للمرء ان يعود بذاكرته الى ايام الطفولة ؟
من الناحية النظرية يمكن لكل معلومة خزنت مرة في الذاكرة طويلة الامد ان تعود
ثانية ولكن الواقع غير ذلك فلا احد يتذكر ما عايشه في عامه الرابع او الخامس من
حياته الطفولية وان تذكر فهي - وهذا على الاغلب - قائمة على ماسمعه من اهله
عندما كبر ، العـــلماء : يصرون بان من يعتقد بانه يعرف شيئا نت عامه الثالث
فهو اما استثناء علمي او مخطيء بالتاكيد
لماذا هذه الاستحالة او الصعوبة في استرجاع ذكريات الطفولة ؟ ربـما هي الشفرة
التي حفظت بموجبها الاحداث في المخ قد تغيرت عندما يطور المرء في فترة نموه
تلك القدرة النموذجية التي تميزه عن كل الكائنات الحية الاخرى - الا وهي القدرة على
الكلام والشعور بالزمان والمكان وارتباط العلة بالمعلول - غالباً ماتفقد الذاكرة صلتها
بالماضي وخاصة تلك المعايشات البدائية - ولكن لكل قاعة شواذ لقد استطاعت سيدة
ارلندية (88سنة) الخروج عن المألوف واعطت حالة نادرة في التأريخ في ( الذاكرة
طويلة الامد ) في عامها الثامن والثمانين سمعت فجأة اغاني وتراتيل قديمة من موطنها
وهي في دار العجزة في اميركا . أعتقدت باديْ الامر ان مذياعاً عالي الصوت عند ا
الجيران ولكن الاغاني والتراتيل لم تكن الا في رأسها وحدها . أثبتت التحريات الطبية
ان السبب بدني . كانت المرأة العجوز قد عانت من جلطة بسيطة في الدماغ وقد سبب
عن ذلك قطعا في قسم من المخ ، في مخزن (الذاكرة طويلة الامد )ولذا تنشط حادث
متطرف في البعد في هذا القسم . كانت السيدة قد تيتمت من أبويها وهي في الخامسة
من عمرها في موطنها ارلندا وعاشت بعدها عند عمتها في اميركا . ان ماسمعته في
عامها الثامن والثمانين هي الاغاني والتراتيل التي كانت ترددها امها وهي طفلة في
موطنها . لقد حافظ المخ على هذه المعلومة في مخزن "الذاكرة طويلة الامد " مدة
تقرب من خمس وثمانين سنة واعادها ثانية ... حالة نادرة
عــــلى رأس لســــاني
ما اكثر مانستعمل هذا المصطلح " على رأس لساني او "على طارف لساني " في
منتصف الحديث يفتقر احدنا فجاة الى كلمة .. كلمة ليست بالنادرة أو الصعبة ولكنها
على راس اللسان - ولن تخرج من مكانها مهما حاول المتحدث ان يتذكرها ، وكــلما
عصر مخه وضرب يــداً بيـد أو يده عــلى فــخذه تعقد الامر ,,.. وكما طـارت فـجاة
تعود الكلمة الميمونة فـــجــأة ولكن بعد فوات الاوان ... احياناً بعد دقائق واحيانا
بعد أيــام . ما ألــذي وضعها على رأس اللســـان ولم يترك لها العنان للانطلاق وانقاذ
المتحدث من ورطته ؟؟ عـــلــمــاء النفس يصفون هذا الحدث بأنهيار ميكانيكية
البحث الاوتــومــاتـــيكــيه . أوتوماتيكية لان الكلمات التي هي على رأس اللسان
لايحتاج المرء عادة للتفكير بها كثيراً انه نوع من الاخفاق في الذاكرة غالباً مايكون
سببه قلة التركيز وهي حالة واردة في كل مرحلة عمرية ولا علاقة للشيخوخة بذلك
يحدث أحياناً ان يتوجه تفكير المتحدث ولأي سبب كان في لحظة ما الى جهة اخرى
تختفي في هذه اللحظة الكلمة المراد نطقها من مخزن ((الذاكرة قصيرة الامد ))ولا يمكن
استعادتها بسرعة ولكن استبدال ميكانيكية البحث الاوتوماتيكية بنوع من اليدوية يساعد
على التركيز واطلاق الكلمة من مكانها على راس اللسان . وبــعبارة أوضح يمكن
تساعد كلمة من المستمع قريبة لها او تشير اليها ، كلنا يتذكر بعض الالعاب التي كنا
نقوم بها ،كأن نتسابق على سبيل المثال في ذكر عواصم وانهار وجبال .أسماء نباتات
وحيوانات ، فأن لم يخطر اسم على بال المشارك في اللعبة مهما حاول فربما ينقذه
من هذه الورطة ذكر اول حرف من الكلمة ليتذكر مايريد سرده - طبعا ان كان يعرف
ذلك الاسم من قبل حقاً
وللتعب دوره
يمكن ان يصاب المرء بداء النسيان او لنقل (يحصل على نعمة النسيان ) وهذا هو حالنا
جميعا . لقد برهنت التجارب بان التعب او الاجهاد احدى الحالات التي تساعد على النسيان
او تزيده بصورة ملحوظة ، والسبب ان الجهد او التعب يمكن ان يؤدي الى ما يسمونه
بميكانيكية التداخل في لوحات المعلومات وهذه حالة منطقية اساسا لحوادث معينة يؤدي
التعب الى (لخبطتها ) ببعضها ومايسمونه علمياً (تداخل لوحات المعلومات ) فيما بينـــها
وأبـــسط مثل على هذه الحالة هو ما نعتاده مثلا على ملاقاة جار لنا كل صباح فنــعتاد
على تحيته بكلمة ((صباح الخير )) وقد يحدث أحياناً ان نلاقي جارنا هذا ونحن متعبين
وقت الظهيرة او عند المساء فكثيرا مايحدث خطأ ان نحييه بالتحية التي اعتدناها من قبل
وهي ((صباح الخير )) وقد يحتار الجار ونـعتذر نحن .. لقد وقــع التداخل وحدث النسيان
لــــقد أجرى عالما نفس بحثاً على عينة من (200) شخص من شرائح مختلفة لمعرفة
اغلب حالات فشل الذاكرة ووجدا ثلاث نقاط رثيسية في اجابات عيناتهم
اولا :- يقدَّم لي شخص سرعان ما أنسى أسمه
ثانيا :- أستفيق من نومي واعرف كثيرا مما حلمت به وعلى الرغم من ذلك
لا استطيع تذكر شيئا منه
ثالثا :- بعد وقت قصير من محادثة ما يخطر على بالي ((أتذكر(( بانني نسيت
شيئا مهما لم اذكره في تلك المحادثه
والعلماء يعزون التداخل بالاضافة الى الاجهاد الى حالات اخرى منها
اولاً :- تغيير الهدف ... كأن تقرر مثلا ترك السكائر .. ولكن كم من مرة تخرج عن قرارك ؟
وهذا يعني ( عليك ان تترك طريقة تصرف سابقه لتسلك جديده ) فيحدث التداخل
ثانياً :- المحيط .(الجو) ... تركت كتابك على المنضدة ،تريد أخذه ثانية فتاخذ ساعتك
او ربما تضع نظارتك بجانبه
ثالثاً : - تغيير نمط معين .. اشتريت ثلاجة جديدة ووضعتها في المطبخ وابقيت القديمة في
مكانها السابق ..فغالباً ماتضع في القديمة حاجيات رغم احالتها على التقاعد
رابعاً :- حالة التشابه ... تقف امام سيارة تشبه سيارتك وتحاول فتحها ..والله المنقذ لتبرهن
على انك لست بسارق لتلك السيارة
ان اكثر من يقع في مشاكل ((التداخل )) اولئك الذين يتكلمون لغتين او اكثر ويستعملونها
باستمرار . غالبا مايحدث ان يدخل المتكلم كلمات بلاشعور من لغة غير التي كان يتحدث
بها آنياً ، ويحدث احيانا ان تقف على راس لسانه كلمة باللحظة التي كان يتحدث بها بينما
يتذكر في تلك اللحظة معنى تلك الكلمة في لغة اخرى ...ولكن .. هل من معين ؟ وماتوقعه
فرويد بأن اشياء ننساها لها علاقة بضغوط نفسية قد بُرهنت علمياً منذ أمد بعيد . غالباً
ماتتركنا الذاكرة في نصف الطريق ، وللعصبية والجهد دور كبير . والحال يختلف عنه
كثيرأ عندما يكون احدنا هادئا مرتاح ,واثق النفس .. هل جربت نفسك وانت تحت المحك
في امتحان مثلا .. أو في حالة علمك بان احد يراقبك ؟ ياله من صراع من اجل تذكر كلمة
وانت تعرفها علم اليقين انها العصبيه وليس النسيان ,, والشيء نفسه يحدث لنا في حالة
قلة الاهتمام .. تعايش نقاشاً مملا او محاضرة مملة ... فكم سيعلق في ذاكرتك مما تسمع ؟
تكاد ان تكون ذاكرتك في هذه الحالة ليست اكثر من انبوبة تمرير نظيفة
تـــقـــنيــة الـــــذاكــــرة
اراد عالم نفساني الماني ان يعرف مدى ما تستطيع الذاكرة خزنه ان لم تحصل على اية
مساعدة ..وكم وبأية سرعة يمكن ان ينسى المرء ماحفظه عن ظهر قلب فبدأ الاختبار
على نفسه . وضع 169 قائمة وعلى كل قائمة (13) مقطعا لكلمات ليست بذات معنى
وحفظها جميعا عن ظهر قلب ، فأختبر نفسه وكان أول أختبار اجراه بعد (21) دقيقه من
تاكده بانه حفظها جميعا وأخر اختبار بعد (31) يوما . كانت النتيجة كارثة ..على حد زعمه
بعد (21) دقيقه كان الباحث قد نسي (40%) مما حفظه من الكلمات المبتكرة . بعد ساعه
النتيجه (55% ) وبعد (8 ) ساعات (60%) أطمأن الباحث ان نسبة النسيان قد قلت كثيراً
والحمد لله وعرف نسبة تذكره من هذه الكلمات ((الملخبطة )) وبعد (31) يوماً
وهو اخر أختبار كانت النسبة اثنان وثلاثون بالمئة .. انها تجربة قاسية ولكنها أظهرت
اضافة الى مايحدث للمعلومات التي نتلقاها يومياً كيف تعمل ذاكرتنا الطويلة الامد
تستقبل هذه الذاكرة باديء الامر اكثر ما يمكن ثم يقل الاستقبال تدريجيا وربما هذه
هي الطريقة التي يحمي فيها جسمنا نفسه من الطوفان الشديد للمعلومات اليومية . او
ربما تحيلها الذاكرة هذه الى المخ ليحفظها في احد زواياه ولا نستطيع الوصول اليها حيث
لا احد يستطيع ان يدلنا على طريقها ، فالخيط الواصل بين الفهرست وارشيفنا العقلي مفقود
وأن اصطدمنا احياناً بمعلومة فذلك عن طريق خطأ في - صامولة كمبيوترنا -المخي
كما حدث للسيدة الارلندية عندما تذكرت اغاني الطفولة وهي في حظن امها