الكلام موهبة وتواصل
قد نسمع خبرا او واقعة معينة حصلت من فم شخص فنهتز لها وتؤثر فينا ونسمعها من فم شخص اخر فلا يكون لها اي وقع علينا مطلقا ونسمع طرفة من احدهم فنضحك طربا ولكننا حين نرويها لاتحدث الاثر المطلوب فالمتحدثون درجات متفاوته واحد يعرف كيف يصوغ العبارة وكيف يُرّكب الجملة وكيف يطلقها واخر لايحسن شيئا من هذا وذاك فياتي حديثه باردا وكثيرون هم الاشخاص الذين لايملكون معلومات كافية لكنهم يعرفون كيف يعرضون بضاعتهم للاخرين فيكون الاقبال عليهم جيدا يقابلهم اخرون يمتلكون كما غزيرا من المعلومات لكنهم لايعرفون كيف ينسقونها او يعرضونها فتظل مكدسة بعضها فوق بعض لاتؤثر في احد وبين اوساط الناس افراد تميزوا بالقدرة الفائقة على الحديث بما يملكون من مقومات السحر والاقناع وهناك ايضا الثرثارون الفارغون الذين يتكلمون في كل موضوع ولا موضوع يتحدثون بعلم وبدون علم ايضا وهنالك الممسكون عن الكلام الذين لايتحدثون في اي موضوع مع معرفتهم به وهؤلاء هم الذين نطلق عليهم صفة (الذين يشترون ولا يبيعون) اي يسمعون ولا ينطقون وهناك الذين لا يتكلمون ايضا ولكن لاعفة وانما عن جهل حتى اذا تكلموا فضحوا انفسهم وظهروا على ماهم عليه من ضحالة وقلة معرفة
تذكر اخبار العرب ان جماعة كانوا في مسجد فتكلموا كثيرا وطال بهم الحديث وكان بينهم فتى صامت لم ينبس ببنت شفة. فالتفت اليه رجل وقال له هلا تكلمت ياابن اخي فنظر اليه الشاب وقال :- لو وقع فوقنا هذا السقف اترانا نصاب بسوء ياعم فقال له الرجل .. لو تركتك في صمتك لكان ذلك خير لنا ولك ويحدث عكس هذا اذ يرى بعضنا شخصا ما فلا يروقه فيروح يتعرض له فاذا بذاك الشخص يتدفق بكلام يملأ الاسماع والقلوب والاذهان ويرفع من منزلته فالكلام الجميل والرد المؤثر ينم عن فطنة وموهبة ولا علاقة له بجنس المرء او عمره وكتب ادبنا العربي مليئة بالشواهد التي تتحدث عن جميل الكلام وجميل الرد فعندما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة قدمت اليه وفود اهل الحجاز وأشرأب منهم غلام للكلام فقال له الخليفة - ياغلام ليتكلم من هو أسن منك فقال له الغلام -ياأمير المؤمنين انما المرء بأصغريه قلبه ولسانه فاذا وهب الله عبده لسانا لافظا وقلبا حافظا اجاد له الاختيار ولو كان التقدم في السن لكان في مكانك هذا من هو أسن منك . فاأعجب به الخليفة ولما سأل عن عمر الفتى قيل له عشر سنين فانشد عمر يقول
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس اخو علم كمن هو جاهل
وان كبير القوم لاعلم عنده صغير اذا التفت عليه المحافل
وفي هذا المجال تروي الكتب ان معن ابن زائدة دخل على ابي جعفر المنصور فقارب في خطواته فقال ابو جعفر المنصور له
كبرت سنك يامعن
قال :- في طاعتك
قال المنصور :- وانك لجلد
قال :- على اعدائك
قال المنصور :- وان فيك لبقية
قال :- هي لك ياأمير المؤمنين
ومن متممات سحر الكلام والحديث ان يكون خارجا من القلب لا مرأئيا ولا مُداجيا فالكلام اذا خرج من القلب دخل القلب واذا خرج من الشفتين لم يتجاوز الاذنين كما على المتحدث ان يعرف ماذا يقول وان يجعل لكلامه دلالة وان يتكلم بما يناسب المقام فلا ياتي بالنكته في مجال لايتسع لها ولا يروي الحادثة المؤلمة على مائدة الطعام او في دعوة فرح كذلك الشاعر الذي وقف بين يدي الخليفة المعتصم ليهنئه ببناء قصره الجديد فارتجل على عادة الشعراء القدامى قصيدة يقول في مطلعها
يادار غيرك البلى فمحاك ياليت شعري مالذي ابلاك
كما ان على المتحدث ان يتعرف على مستويات الناس الذين يتحدث اليهم فلا يشرح البنوية أو الهندسة الوراثية لأناس بسطاء من اهل المحلة او يتحدث عن طريقة زوجته في طبخ الباميه في اجتماع خاص لاننسى ان هنالك نوع من الناس يحب ان يتكلم وهو ير أن زيادة قيمته الاجتماعية انما هي في الكلام فلا بأس عليه ان يتكلم بل يرى ان عليه ان يتكلم مهما كان الموضوع والا عُد _ كما يعتقد هو _ متخلفا
نشوفكم بخير
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق