في بيت الفنان اياد البلداوي يلتقي جيلان ! جيل الستينات وجيل الثمانينات الجيل الاول
منح نفيه للاخرين ونسي نفسه والجيل الثاني منح نفسه كل شيء ونسي الاخرين
هل تذكرون طفلاً اسمه ((نصرت أياد ))ى والذي كان يظهر قبل ثماني سنوات في
ادوار الاطفال الاذكيلء الذين تجاوزوا عمرهم " نصرت هذه الايام يعيش مرحلة قلقة
من عمره الفني ، اذ لم يعد يمارس ظهوره في التلقزيون كما كان يفعل في السابق لان
كتاب الدراما والمخرجين لايكتبون ادوارا لصبي في السادسة عشرة من عمره ...انه
الان - في الخامس الاعدادي - الفرع العلمي ,,, وينوي دراسة الطب . وهذا اللقاء كان
قد تأجل لعدة مرات بسبب مشاغل العائلة ولم ينقذه غير ((نصرت أياد )) فقد عمل كل
جهده ليجعله ممكناً .. فالوالد ((أياد)) كان لديه بروفة مهمة مع المخرج قاسم محمد في
مسرحية ((رسالة الطير)) و((سهير أياد )) كان لديها هي الاخرى بروفة وعرض
مسرحي مع احد أساتذتها في مسرحية ((ريتشارد ألثالث )) لشكسبير ..وقد أختار نصرت
وقتاًً مناسباً للجميع هو الساعة الثانية عشرة على الرغم من انه كان يخوض احد امتحاناته
المهمة .. وهكذا كان الجميع في الموعد المحدد
سنة 1966 كانت نتيجة زواج اياد البلداوي ثلاث بنات وولداً واحداً هم (( سهير)) في
الثامنة عشرة من عمرها ثم ((نصرت)) في السادسة عشرة و((ميادة )) في الخامسة عشرة
واخيراً ((عُلى)) في الرابعة من عمرها ..في شقتهم الصغيرة ستجد وانت تدخل ضيفاً على
عائلة أياد البلداوي مجموعة من الاشياء تربط بين الطفولة والنضوج ..بضعة دمى منتشرة
هنا وهناك وعشرات من الكتب التي تغطي موضوعات مختلفة تبدأ بالشعر والفلسفة وتنتهي
بالمسرح والمسرحيات التي تستحوذ على مساحة واسعة من رفوف المكتبة ، وفي واجهة
المكتبة ستجد شهادة عليها ((صورة )) سهير لمشاركتها في مسرحية ((الرهن)) التي قدمتها
فرقة المسرح الفني الحديث .. أنها شهادة تقديرية لموهبة واعدة هذه الموهبة اثبتت وجودها
خلال الاعمال التي تلت هذه المسرحية وبذلك فقد تحققت النبؤة . وماتبقى من هذه الشقة ليس
سوى قطع نت الاثاث المرتب بشكل بسيط والذي يدل على ساكنيها وحرص ربة البيت على
توفير وسيلة للراحة اتولئك الذين ياتون الى هنا في الليل ليتمتعوا بقسط من الراحة يعينهم
على اليوم القادم
بلداوي في البلدية
اياد البلداوي - 43سنة - القادم من مدينة الكــاظمية يدفع ثمن موهبته الاولى بعد سقوطه
الدرامي وهو يصلح الستارة للمسرح الذي اعده مع بعض من أصدقائه لممارسة هوايتهم
كان معه الفنان قاسم الملاك وبعض الاصدقاء الصغار .. أحساس بالآلم وكسر في اليد مازال
يحمل اثاره لحد الآن .. ووجد نفسه يواصل دفع فاتورة طويلة من التضحيات تبدأ في
الخمسينات ولا تنتهي حتى هذه الساعة
يقول أيـــاد البــلداوي
كنت أحب الفن وكان عليّ ان اتحمل العقوبات المتتالية من والدي منذ الصغر ، لكن البذرة
كانت وجدت ارضاً صالحة للنمو.. وهذا ماجعلني أواصل هوايتي حتى كتبت للاذاعة نصوصاً
درامية رُفض أغلبها في البداية ، ولم يدخل اليأس الى قلبي
ويكمل : طلب الاستاذ جميل الجبوري الذي كان يقرأ النصوص الاذاعية ويجيزها مواجهتي
وذهبت اليه .. كان يريد ان يعرف من هو ((أياد البلداوي)) الذي تُرفض له هذه الكمية الكبيرة
من النصوص ويواصل الكتابة رغم ذلك ... ناقشني في أخر نص كتبته ثم أجازه وقدم فيما
بعد كتمثيلية اذاعية من اخراج الفنان الراحل عبد الله العزاوي .. كان ذلك في سنة 1960
سؤال : وهل تتذكر ماقاله لك الاستاذ جميل الجبوري ؟
بالتأكيد أتذكر ....قال :- ..... (( ألم تضجر )) ؟
وقاطعته : أذن ، ألم تضجر حتى الان ؟ على الرغم من انك لم تحقق طموحاتك ؟
كلا ... كان لديّ ايمان قوي وتوازن نفسي .. كنت أخدم الآخرين اكثر مما اخدم نفسي.. بالنتيجة
صنعت الكثيرين والذين اصبحوا نجوماً فيما بعد ... ربما كنت مخطئاً
وسألته : ألــــم تحسم هذه الــــــ((ربما )) لحد الان ؟
حسمتها بعد احد لقاءاتي بالفنان يوسف العاني والذي قال لي " الم تضجر لحد الان من خدمة
الآخرين ..التفت لنفسك ولو مرة " ... كان ذلك عام 1975 ..والواقع أنني كنت ضائعاً من
بداية مسيرتي وحتى هذا اللقاء ... وكان يفترض ان احتل الموقع الذي يقف فيه زملائي
الذين بدأوا معي في المسيرة
قلت له متسائلاً : عندما راجعت اعمالك وجدتها متناثرة هنا وهناك ولم اجد فيها دوراص
رئيسياً مهماً مثلاً ... كانت مجموعة من الادوار الثانوية
أجابني : هذا صحيح .... فقاطعته قائلاً
سأختصر هذه المرحلة ... عندما سيطر عليك الاحساس بالغبن لانك ساعدت الاخرين في
الصعود ونسيت نفسك ، يخّيل اليّ أنك وجّدت في (سهير) و(نصرت) مايعوضك
قال : كــلا .. قبل زواجي كان في ذهني فكرة ... هي انني لو تزوجت ورزقني الله
بأطفال لتمنيت ان يصبحوا فنانين واكّون منهم بالنتيجة فرقة مسرحية
قلت له : وهل شكلت هذه الفرقه فعلاُ ؟
كلا ... لانني لن أجرؤ على الوقوف امام طموح ابنائي وبناتي .ومع ذلك فلا يزال لدي
هذا الطموح
قلت لأبنته الكبرى - ســهير
هل ستوافقين على العمل في فرقة لعائلة اياد البلداوي ؟ فأجابت
انا مع العمل الافضل سواء كان لوالدي او لغيره
علقت بقولي ... :هذا مايجعل اياد البلداوي يغلق فرقته بشكل مبكر " . وضحك الجميع
أياد البلداوي قاطعني :- بقوله
شكلت عدة فرق مسرحية كان أخرها فرقة المسرح العربي في مدينة الكوت
ولماذا في الكوت ( قلت له )؟
بداية تعييني في الوظيفة كانت في الكوت ...عينت مراقباً للعمل في بلدية الكوت
... يعني .... بلداوي في البلدية .!. ومالذي أثار أنتباهك أثناء عملك في البلدية ؟
شاهدت نماذج بشرية كثيرة عززت افكاري عن الناس ، نماذج عجيبة غريبة ,, أتذكر منها
الآن شخصية فريدة .. كانت هذه الشخصية محترمة جداًومتماسكة في النهار وفي الليل كانت
تسترق السمع والنظر على بيوت الاخرين
ممثلة في الشارع العام
ربما كان واحداً من الاسباب التي قادتنا لاجراء . هذا اللقاء مع عائلة الفنان (( أياد البلداوي))هي
المصادفة التي شاهدت فيها الفنانة ((سهير أياد )) وهي عائدة لبيتها مساءً ..منهكه..ساهمه..شاردة
الذهن . في تلك اللحظة أحسست ان هذه الانسانة التي شاهدت لها اعمالا تلفزيونية ومسرحية
متميزة في الآونة الاخيرة تعطي لفنها كل حياتها ويبدوا ان هذه النتيجة كانت صحيحة جداً بعد
لقائي بها فيما بعد . على المستوى الآخر ومن حيث لا اتوقع بدأت ((سهير )) أياد تتحدث عن
موضوعاتنا (( في بيوت الفنانين )) وتعطي ملاحظات واعية .. حادة ومؤدبة وخجولة في نفس
الوقت .. كانت تتحدث عن التكرار احياناً وعن الاسئلة التي قد تبدو متشابهة في احيان أخرى
والواقع ان هذه الملاحظات جعلتني اضعها امام أختيار صعب
قلت ( لماذالاتختارين أنت الاسئلة .. او على الاقل تطرحين مايعجبك لهذا اللقاء من محاور ) أجابت
بانها خاضت تجارب سابقة مع الصحافة ولم تكن ناجحة او على الاقل ،لقد قالت اشياء مهمة لم تظهر
فيما بعد في الموضوعات المنشورة ويبدوا ان هذه الملاحظات صحيحة ، حتى فيما يتعلق بهذا
الموضوع المنشور ، فقد تجد أنني حذفت من بعض الفقرات التي تراها مهمة من وجهة نظرها .
كان عليّ ان ألدأ معها من حيث أنتهى الاخرون ، مادام أنهم سألوها عن بدايتها كمقدمة برامج
للاطفال وممثلة صغيرة في تمثيليات عرضت منذ سنوات
قلت ((في ادوارك التي حصلت من خلالها على شهرة واسعة والتي شاهدناها لك في التلفزيون
والمسرح تكاد تجتمع عند نقطة واحدة هي حرصك على تقديم الشخصيات الغريبة .. شخصيات
غير عادية قد نجد فيها خللاً نفسياً
اعتقد انني ارغب - على المستوى الشخصي- في تجسيد هذه الشخصيات لكونها غير سهلة
وانا اميل في العادة لمنح الشخصيات التي امثلها سواء كانت عادية او غريبة افضل ماعندي
لكي اوصلها للاخرين .. ولا اخفيك ان هذه الشخصية الغريبة تشدني ،وهذا مايجعلني اتعمق
فيها .. أحاول عادة ان اعرف عنها الشيء الكثير ..وانا احب هذه الشخصيات لانها غير طبيعية
هل أنت غير طبيعية أصلاً ؟ ..كيف تنظرين الى نفسك من هذه الزاوية ؟
تضحك ...وتضيف
انا لست طبيعية ، لكنني لست مجنونة ! أنا اجد في الاشخاص غير الطبيعين الطيبة والانسانية
والحساسية المفرطة ... أنهم ناضجون ومدركون وواعون أيضاً
هل تعتقدين انك ناضجة الى هذا الحد ؟
انا لا ادعي ذلك . أنا اعي الاشياء من حولي
بأي مستوى ...وباي فهم ؟
المهم أن يكون لك موقف واضح من الاشياء ... وقد يتوقف هذا على الحالة التي انت فيها
أذن ،هل هنالك تطابق نفسي بينك وبين الشخصيات الغريبة التي تمثلينها
كلا ..... ليس الى هذه الدرجة
هل تفضلين أن يقال عنك أنك مغبونة مثلاً ؟
نعم .....هذه حقيقة
ولكن الوقت مبكر بالنسبة لعمرك - على الغبن
كان من الممكن أن أكون أفضل
مع ذلك فقد حصلت على فرص جيدة في المسرح والتلفزيون
في المعهد حيث ادرس حصلت على مثل هذه الفرص ، ولكن الجمهور الواسع لم يشاهد
اعمالي في المعهد .. وكان من الممكن لو انه شاهدها ان يكون له رأي أخر - ربما أنضج-
بممثلة تدعى سهير أياد
مادمنا نتحدث عن معهد الفنون الجميلة ، فقد تسمع احياناً عن مماحكة بين الاساتذة والطلاب
وعادة ما يرمىي الطلاب اساتذتهم بالجهل ... هل هذه حالة صحيحة ؟
لدي وجهة نظر واضحة في هذه القضية ... - الاستاذ مهما كان - يمتلك خبرة وتجربة طويلة
وينبغي ان نستفيد من هذه التجربة
مادمت من الجيل الجديد ومادمنا نتحدث عنه .. هل تحسبين أن هذا الجيل الفني واعد ؟
اذا اعطينا درجة فاعتقد ستكون اقل من 50 % وقاطعتها
ماهو السبب في رأيك - هل هو اللامبالاة أم الاهمال ؟
لنقل أن السبب هو مصادر الثقافة
ماذا نقرئين على المستوى الشخصي ؟
على المستوى الشخصي يهمني كثيراً معايشة الحاضر ، لكن القراءة تنظيم عملية الوعي
تجذبني كثيراً من الكتب الخاصة بعلم النفس والفلسفة ... وبالتأكيد انا أقرأ الشعر والمسرحيات
والقصص .. وهذا يتوقف على الوقت اولا وهكذا تجد ان العطلة هي اكثر الاوقات مناسبة للقراءة
الام تتحدث بصوت غير مسموع
أم سهير التي تعمل موظفة في مدرسة تمتلك الكثير من الميزات ، لعل في مقدمتها هي
منح ضيوفها الاحساس بالراحة والاسترخاء .. عادة ماتحتفظ بابتسامة لملاحظة قادمة ستقولها ..
أم سهير لم تعد على اجراء الاحاديث مع الصحافة .. أنها أنسانة لا تكاد تسمع صوتها وهي تتحدث
اليك ... أثرت انتباهها فجأة بســـؤال
كيف تعيشين وسط هؤلاء الفنانين ؟
ضحكت .... وقالــت
بالتأكـــيد انهم اناس مختلفون عن غيرهم ... ربما كانت همومهم ليست كهموم الناس العاديين
وعندما يبدء أحدهم بعمل فني فلا تكاد تفهم منه شيئاً ... أنه يمنح العمل كل وقته وأعصابه وجهده
ومع ذلك فأنا أجد أنهم اناس طيبون
متى تزوجتما
منذ 1966 ونحن اقرباء ... أنه أبن عمي
عدت للعائلة مجامعة لاسمع تعليقلتهم حول والدهم اياد البلداوي من خلال سؤال طرحته عليه
سؤال : هل أنت راضي عن وضعك هذا ؟
سهير قالت سأجيب عن والدي
سؤالك لايثيره الى هذا الحد .. انه يعيش حالة ساخنة تسنطيع ان تسميها حالة الانتظار .. أنتظار
للفرصة المناسبة لكي يفجر مابداخله
قلت :- واذا لم تأت هذه الفرصة ... هل يقف هكذا ؟
اياد البلداوي علق قائلاً
سعيت في الماضي من اجل فرصتي وسأسعى كل يوم من اجل هذه الفرصة ، ولكن للاسف فأن
المخرجين ينظرون الى مكان ثابت وبأتجاه اشخاص محددين وعليك ان تفهم ما اعني
والآن مـــارأي سهير بالموضوع الذي بدأ يأخذ صورته النهائية وهل قلنا مايجب قوله ؟
سهير قالت : ولكنك لم تسأل أسئلة مهمة ولا اريد ان احكم بشكل مسبق .. ولو كنت
صحفية لسألت عن الجانب الفكري والنفسي لدى الفنان
قلت : مع ذلك فنحن سألنا مثل هذه الاسئلة ... وغادرت البيت مسرعاً ... وهكذا فعل أياد البلداوي
وسهير لان البروفة كانت بانتظارهم وعلينا ان نتوقع في المستقبل فرصة مواتية لاياد البلداوي
وفرصاً اخرى اكثر لأبنته سهير مادام ((نصرت )) قد فضل دراسة الطب لكنه جعل الفن هوايته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق