الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

الايماءات ...لغة تخاطب العيون


الايماءات ...لغة تخاطب العيون

قلت لصديقي .. لمَ  تحرك يديك بهذا الشكل وانت تتحدّث عن مسألة جادة ؟
فأجأني مبتسما ((انظر الى يديك وأنت تسألني  هذا السؤال .. أنها الايماءات ياصديقي))
قبل حوالي الف عام قدم سيزيرو نصيحة لاشخاص كانوا يعدون ليصبحوا خطباء
قائلا:  ((يجب أن تقترن جميع خلجات النفس بايماءات سواء أكانت من اليدين او الاصابع
او الذراع الممتدة او القدم الضاربة على الارض او العيون المعبرة ، الايماءات هي لغة
الجسم الواضحة حتى بالنسبة للمتوحشين والبرابرة ))  . الايماءة حركة تؤدي دور
الكلمة او الحرف المفرد وقد تعبر عن مضمون كامل في بعض الاحيان فضلا عن
استخدامها كشكل من أشكال الرمز أو الشفرة " ، ومن الامثلة  على لغة الايماء مايستخدمه
الرياضيون والطيارون وشرطة المرور ورجال المطافيء  والغواصون من أشارات ، وقد
استحوذت فكرة استخدام وسيلة لاصوتيه للتفاهم على اهتمام بعض العلماء وظهرا قبل اعوام
قاموس يحتوي على الفي ايماءة يستخدمها الامريكيون  اللاتينيون في حياتهم اليوميه ...أن
القدرة على فهم لغة الايماء عند شعب ما توفر فرصة افضل لفهم شخصية هذا الشعب وتقاليده
الثقافية واساطيره وفنونه الشعبيه

مــصــادر الــايــمــاء
يعتقد العلماء ان قدرة الايماء عند الانسان موروثة بايولوجيا ولا يمنع هذا ان تكون لدى بعض
الحيونات ايضا قدرة من هذا القبيل ولكنها محدودة . وقد استطاع الانسان ان يطّور هذه الملكة 
فاختلفت باختلاف الشعوب ، ولنأخذ الرقص مثلا ، فقد توصل جارلس دارون  قبل مايقرب من
قرن الى استنتاج  مفاده ان هز الرأس  قد يعود بالاصل الى حركة الطفل الطبيعية في رفض ثدي
امه  . ومن المحتمل انها كانت حركة  مألوفة  عند جميع الناس في فجر الحضارة  البشرية  ولكن
اليوم تمثل هذه الحركة عند الشعوب المختلفة معاني مختلفة وربما ، اشكالا عكسية . فالسائح
الاجنبي في بلغاريا مثلا  قد يواجه سوء  فهم حقيقي لان ايماءات  الموافقة والرفض هناك عكس
مايعرف في مكان أخر . حيث يعبر عن ((نعم )) بحركة الرأس الى الاعلى و الاسفل ويعبر اليابانيون
عن الرفض بهز اليد ‘ اما الماليون  فيخفضون  عيونهم  الى الاسفل ، وأكثر الايماءات عمقاً  في التعبير
هي أيماءات التحية ، ففي الازمنة كان  الصينيون يقابلون بعضهم الاخر بهز كلتا يديهم - ايماءة 
اقتبسها وأستخدمها خطباء العصر الحديث في تحية جمهورهم - ويحي الاسكيمو معارفهم بضربهم
على رؤوسهم واكتافهم بقبضة اليد . اما الأبيون فيفركون أنوفهم مع بعضها البعض ، ويشم الساموئيون 
الواحد الاخر عند التحية ، أما المصريون فيستخدم البعض منهم مايشبه التحية العسكرية حيث يضع
راحة يده على جبينه عند السلام . وتجري التحية عند بعض الشعوب الافريقية بملامسة الخدود لبعضها
(( حـــديــــث  صــــامــــت))

يمارس سكان استراليا الاصليون  الحديث الصامت في حالات معينة يحرم فيها الكلام  مثل حديث 
الارامل بعد دفن ازواجهن ن والشباب عند ادائهم للطقوس والشعائر الخاصة  حيث يلجأون الى لغة
الايماء ،  وفي صقليا يتعاظم استخدام الايماءات بشكل ملحوظ ويرجع سكان  الجزيرة السبب الى 
اسطورة قديمة تتحدث عن دايوتيسيس ، طاغية سيراكوس  حينما حرم الكلام على الناس وفرض 
عقوبة قاسية على من يتحدث ، ولكي يتحايل الناس على قانون  التحريم  طوروا  لغة صامتة  هي 
لغة الايماءات  واستمروا التحدث بها 

(( الايماءات عنــد الـــشـــعــوب ))

في جولته حول العالم بين العالم  النفساني الانكليزي مايكل  اركل بان  الفلندي  يستخدم الايماءات
مرة واحدة خلال ساعه  من الحديث بينما يستخدمها  الايطالي  ثمانين مرة ، والفرنسي مئة وعشرين 
مرة والمكسيكي  مئة وثمانين مرة ، وفي الوقت الذي يقطب فيه الروسي جبينه  عند الاشارة الى شيء 
او شخص ما  نجد ان الاسباني او الامريكي اللاتيني يستخدم يده  ورأسه وتعابير وجهه للتعبير عن الحالة
ذاتها  ، ولايستطيع العلماء ايجاد تفسير للسبب الذي يكمن  وراء اختلاف  ايماءة او مضمون  معين من
شعب الى أخر خصوصاً  مشاعر الفرح  والاعجاب فمن المعروف ، مثلا ، ان اليابانيين  والروس لا 
تفصلهم عن بعضهم  مسافة طويلة  ولكن حينما يمرر الروسي يده  بالقرب من حنجرته  فهذا يعني انه  
متضايق ، وفي التبت قد ىيخرج الشخص  لسانه للمارة ليدلل  على انه لايضمر لهم شراً ، بينما تخلق 
الحركة نفسها مشاكل في مناطق اخرى من العالم . وعند التحذير او جلب الانتباه  يسحب الايطالي او
الاسباني  او الامريكي  اللاتيني جفنه  الاسفل الى الاسفل بابهامه بينما تعبر الاشارة نفسها في النمسا 
عن الاحتقار والازدراء . وفي اليابان يعبر اليابانيون عن استحسانهم بطريقة مغايرة للاوربيين وذلك
بمد ايديهم الى الامام بحيث تتلامس  اصابعهم  ن وفي بريطانيا يكون التصفيق الخفيف في المسرح 
او الحفل الموسيقي  دليل عدم استحسان ودعوة للمؤدي لمغادرة المسرح ، وهناك ايضا الرقص عند 
الشعوب المختلفة  . فالرقص ايضا لغة أيماء ، وما اكثر ماتحمل  الحركات المعقدة والرشيقة للراقصين
اليابانيين والهنود من أفكار 
من الواضح أن الايماء يشكل جزءاً جوهرياَ  في الثقافة البشرية  ترجع جذوره الى ماضٍ بعيد . ومما
يعزز هذا الرأي  الحفريات الاثارية . ففي المكسيك مثلا اكتشفت نتاجات من السيراميك  ورسوم
تبين كيف ان  هنود المانيا  كانوا يتفاهمون بالاشارات  المرئية في الالف الاول بعد الميلاد 
وماذا بعد ؟  هل  لاتزال لغة الايماءات مؤثرة في عصرنا الذي تتحكم فيه  تكنلوجيا  الاصوات 
المتطورة ؟ .. الجواب  نعم انها مدخل الى  القلوب ومفتاحه فأيماءة جميلة هي الابتسامة تكفي
احياناً لتشكيل علاقة رائعة مع الاخرين 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق