الاثنين، 16 سبتمبر 2019

القمر بين الخرافة والعلم واحاسيس الانسان


ان من يقرا الكتاب الذي اصدره المخرج ( تافيناني) عن القمر .. بالاحرى
عن البدر في عز اكتماله ، يدهش للصور الغريبة التي بدات تغزو أوساط
بعض المثقفين عن السحر والشعوذة والايمان  بالاساطير القديمة  التي
تذكر بوجود حضارة نسوية تستلهم حياتها من القمر وتشحذ غرائزها في
ليلة اكتماله  بدراً حتى يُقذف بهن الى النار على هيئة دمى شبيهة  ثم يشرعن
بالصراخ والنحيب  حتى الضحك !  لنقرا مايقوله  المخرج في كتابه  حيث
يقول (( اذ ترسو سفينة الضياء في بحر الليل لابد من انتظار رياحها والتطهر
في مياهها والسباحة في جداول  ضياء القمر ))  قد يكون هذا الفن شعرياً ،لكن
حقيقة الأمر انها  ضرب من دعوة لتبني خرافة ، وبالفعل فأن العديد من زمر
الشباب  بدأت تتبنى هذه الخرافة وتطور طقوساً غريبة ، كالرقص في الليالي
المقمرة مثلا ً . واحد من هؤلاء  الشباب قال عن القمر  (( على الرغم من بعده
عنا بحوالي 400 الف كيلو مترا الا أنه جد قريب ، يمسنا مثل عاشق ..عنده الرقة
والحدة والغضب والهناء ))؟



في التاريخ القديم كانت هنالك عبادة للقمر فقد كان القمر الهاً. أخــر ملوك
بابل (تبونيد ) اراد توحيد الآلهة بعبادة اله القمر وحده . في وهدة الليل
يضيء  القمر ، يكشف طريقاً فضية ، يلمس ويحس بحنان ، ويبقى على
السطح ، تاركاً الحفر العميقة بعض الشيء في ظلمتها ، مظهراً الاشكال في
هيئة شبحية  . هو ذا حبيب وانيس العذارى  ، وملهم الشعراء الرومانسيين
وحين اكتشف تأثيره على البحار والانهر (المد والجزر) بدا وكأن جاذبيته
القديمة تتأكد بجاذبية ذات وزن ، فهو يسحب المياه اليه . وقد كانت الشعوب
اللاتينية ترى فيه شاحذاً لذاكرة الانسان .. ومنه يُستلهم الامان على الاطفال
والوقاية من الامراض ، وشحن الرغبة في الحياة الزوجية . أن شعراً كثيفاً مقنعاً
يمكن  أن يدلنا على قمرنا المضيء دون وهم ، أو بوهم غير مزعج ، قريب الى
 القلب ، كما في كل شعر ، لكن لم يغذي الانسان  المعاصر وهماً في الايمان
بالقمر ..مامعنى ذلك ، وقد أستطاع الانسان ان يرتقي ويكشف قفاره الجدباء،او
يخترع اجهزة الكترونية تضبط ساعات قمرية تستطيع ان تحدد بالضبط اوقات
ضياء وسطوع القمر وتحديد موقعه من الارض حتى عام 2200 ! ؟

-----الانوثة الكبيرة  -----
لقد نظمت في الستينات حلقات نسوية بأسم ""  مسؤولية القمر  "" للاحتفال بيوم
القمر .  وقد وضعها العالم النفساني (أريك نوهان ) ذاكراً :  -   في حياة عصرية
يشكل الاحتفال بيوم الانوثة الكبيرة - المتمثلة في آلهة القمر البيضاء ، أهمية معنوية
تعتقد بأن للقمر نظاماً مركزياً أمام المسؤوليات  المادية التي تواجه العالم ، وذلك من
أجل حياة زوجية سعيدة . والانتقال من الفردية الى الزوجية ، الخروج من الظلام الى
الضياء ، في التغيير المتمثل  في تبدل الفصول بين الربيع والخريف ، في الحياة و
الموت ، وفي البناء بكل معانية ، كبناء البيت من الطين ، في الحياة البدائية ، وهكذا
غريب أن تجد في تبريراً في هذا القول لعالم ، لكن هناك حقيقة علمية تفيد حقاً
أن علاقة الارض بالقمر تمثل وحدة بايلوجية بالنسبة للمرأة بل والرجل ايضاً ، وذلك
لتسببها في احداث ايقاع داخلي في جسم الانسان يتغير بتغير دوران الارض . وعرف
هذا الرأي منذ الخمسينات من قبل  البروفسور ( أرفن بوينج ) ثم توالت الدراسات بهذا
الشأن من قبل العديد من جامعات العالم المتخصصة ، فتبين بالفعل تاثير تتابع الليل
والنهار على الاحياء في الطبيعة من نبات وحيوان . مثل لجوئنا للنوم في الليل
وصحونا في  النهار ، وصيحة  ديك الصباح وغيرها
------  ساعاتنا الداخلية   ------
في الطبيعة هناك العديد من الايقاعات ، لكن الايقاع الاساس هو ما يحدث خلال
ثلاث وعشرين الى 26 ساعة ، ويسمى علمياً ( سيركاريا) ، وهي مفردة علمية
تحدد بحوالي اليوم . وضبط هذا الايقاع التشكيل الجيني للوسط الكيمياوي
والبايولوجي  الذي وجد قبل 4/6 مليار سنة على الارض اي أثناء حدوث
عمليات النشوء والارتقاء . مما يدل على أن لكل الاحياء ساعة داخلية بايلوجيه
منذ الازل . أن تنظيم الميكانيكية  الجزئية لهذه الساعة الداخلية لم يعرف  لحد
الان على الرغم من معرفة الكثير من مؤشرات هذه الساعة  . فقد اكتشف
البروفسور ( هانزجورج ) من معهد ( ماكس بلانك ) كيف أن حشائش  الماء
ذات المظلة الخضراء والتي تتكون من خلية واحدة وتنمو حتى يصبح  طولها 25
سنتمتراً ، تستطيع أن تعطي اثناء النهار كمية من الاوكسجين اكثر من الليل ، وكيف
يرتفع ايقاع استلامها لضياء الشمس في جزيئات مظلتها اثناء النهار واحتفاظها به
في الليل .... كما أشارات دراسات حديثة الى تذبذب تغلغل البروتين  في خلايا
اللبائن اثناء توالي الليل والنهار ، وحددت كيفية توقف استلام الخلايا له عندما
يصل الى تركيز معين في السماء . وارجعت ذلك التذبذب الى ايقاع الساعة الداخلية
--------   نتغير من ساعة الى أخرى   --------
كما ان هناك المئات من العمليات البايلوجية المختلفة ، يتغير ايقاعها بتوالي الليل
والنهار  ، كما هو الحال بالنسبة لانتاج الهرمون  وافرازاته وعلاقاته  في مختلف
وظائف الجسم من اخصاب الى تكوين كريات الدم ، وانتظام عمليات الافراز ،
ودرجات حرارة الجسم وقوة العضلات  والحواس ، كحدة السمع والتذوق والتحكم
بمشاعر الامل والالم  لذا ، نحن نتغير نفسياًوجسدياً من ساعة الى أخرى ، من خلال
المقياس النوعي  المحدد زمنياً فللكحول مثلاً ، تأثير أشد وأقوى على الجسم حين
يتناول صباحاً ، وكذلك الحال بالنسبة لتناول العقاقير الطبية والتي تحدد باوقات
زمنية منتظمة أو غير منتظمة . ويؤثر تتابع الليل  والنهار في  ارتفاع  وانخفاض
درجات الحرارة عند النوم والصحو وفي تركيز درجة اليقظة  والحذر ، وهذا  ما
يتمتع به حتى فاقدو البصر بالرغم من عدم رؤيتهم للظلمة  أو االضياء  أي
الغروب أو شروق الشمس

------- تنظيم عقارب ساعة الانسان البايولوجية ------- 
ويتطلب الايقاع الداخلي للانسان ايقاعاً في الخارج ، أي أن ساعة الانسان الداخلية
البايولوجية قد تسير- احياناً- بشكل متقطع ، لذا يتوجب اعادة ضبطها وتنظيمها
وهذا ما اكدت عليه البحوث التربوية  والنفسية  الحديثة  التي  اعتبرت ضياء الشمس
ظاهرة اجتماعية ايضا ً . فالانسان -  بحسب نظريتها - حيوان مُسيّس ، وكما تضبط
 عقارب الساعة  ميكانيكياً ، ينبغي ان يثضبط سلوكه أي (عقاربه) من خلال  ((ساعة
المجتمع )) اي انظمته . وبالمقابل  ترتفع ايضاً ، في القيمة العلمية قيمة الضوء وتأثيره
في الخلق البشري وقد أكدت البحوث في أمريكا والسويد والنمسا زيادة حالات الكأبة
في أشهر الشتاء المعتمة ، وأمكانية معالجتها عند تعريض المرضى الى أجواء ربيعية
أصطناعية  ز كما ان حالات الكىبة الخفيفة ، كحالات القلق  وفقدان النوم والشهية  هي
نوع من ضعف الايقاع البشري

----------  تغيير المزاج بتغيير الايام  ---------
في الرأس توجد غدة معينة تفرز مادة ( الميلاتون) . وهو نوع من الهرمون الذي
شأنه ان ينظم الايقاعات الوظيفية الحياتية . ويفرز هذا الهرمون في الليل عادة اكثر من
النهار . لذا ينشط حدس الحذر لدى الانسان في الليل اكثر من النهار ، كما يتركز عند
الصغار ويضعف عند الكبار بتقدم السن . ومن هنا يمثل هذا الهرمون القيادة المركزية
للساعات الداخلية . كما يتغير ايقاع او افراز هذا الهرمون مع ايقاع الليل  والنهار 
وتتابع الفصول وبتغيير الايام ايضاً فالحالة النفسية تتغير في الصيف عنها في الشتاء
ودرجة الحرارة تختلف في الليل عن النهار ، ومزاج يوم السبت مثلاً ، يختلف عن مزاج
يوم الخميس . وهذا متأكد من خلال اجراء تجارب على عدد كبير من المرضى ، وتبيان
درجات تلك الاختلافات من حيث تغيير درجات الحرارة وضغط الدم وعدد نبظات القلب
بأختلاف توالي الايام . كما اكتشف العالم (شفايكر) ايقاعاً مختلفاً للنباتات وحيدة الخلية
ليس فقط باختلاف الليل والنهار وانما من خلال مدة اسبوع بأيامه السبعة

------  الضياء وانوثة المرأة  ------

يؤثر ضوء القمر على عملية أخصاب بعض الحيوانات . فقد نجحت عمليات الانارة
الاصطناعية  والتدفئة - كما هو معروف في اخصاب البيض الملقح . أما بالنسبة للبشر
فقد أجرت احدى الباحثات في أمريكا تجربة على شابة لم تنتظم دورتها  الشهرية ، وذلك
بأن وضعت  بالقرب من رجلها في الايام 14-15-16 من ايام دورتها الشهرية
 وضعت في الليل مصباحاً مضيئاً ذا مئة واط ، فكانت النتيجة مدهشة ، فقد أنتظمت
دورة الفتاة الشهرية  في كل 29 يوما ! وهذا مايشير الى الاعتقاد بليلة اكتمال  القمر
وعلاقتها بأثارة المرأة بسبب شدة سطوع القمر ، كما في الاساطير القديمة  وهكذا نعود
الى اسطورة القمر ولكن ضمن اجراءات العلم ومناهجه

-------- الحاسة السادسة والمؤشرات العلمية  --------

ولا يشغف العلماء بتأثير ضوء القمر على سلوك الانسان حسب ، بتاثير  استقبال
الانسان للموجات الكهرومغناطيسية غير المرئية من الفضاء . وهذا ماحدده البرفسور
فولغكانغ فلتشكو  -  في باديء الامر حين اكتشف تنبؤ طيور الحمام ببعض الظواهر
الطبيعية ، ثم اكتشفت بعد ذلك تأثيرات اخرى لدى الاسماك والحشرات  واللبائن
ويعد تراب أرضنا حقلا مغناطيسياً كبيرا لمغناطيس الارض الكبير  الذي يمتلك قطبين
متقابلين  لذا ، فللأرض تظام جغرافي يمكن أن يعطي او يستلم بعض المعلومات  اللاسلكية  .
وهناك تياران عاصفان مغناطيسيان احدهما في شمال الارض  والاخر في جنوبه
يشكلان مثل حدوة حصان مغناطيسية غير محددة فوق كوكبنا ينظمان حقلنا المغناطيسي
الارضي . وذلك بتاثير علاقة الارض بالشمس . كما ان لجاذبية القمر تاثيرا يقدر بعشر
مرات اكثر من تاثير جاذبية الشمس . ويؤثر الحقل المغناطيسي الارضي في توالي الليل
والنهار اي في موقع الارض من الشمس والدوران حولها ، وفي فترة الاشهر القمرية
وتتابع الفصول . وتؤثر الموجات المغناطيسية على سلوك الاحياء ، فتفعل فعل -المورفين
المهديء بالنسبة للفئران ، كما تؤثر في نسبة الألم والرغبة لدى الانسان حيث تستقبل
اقطابه بعض الموجات منها . وعمومافالاحياء ذات الحقول المغناطيسية الضعيفة هي
الاكثر تاثيراً بمغناطيسية الفضاء ، ومن هنا يمكن ادراك فعالية  أو وجود الحاسة السادسه
لدى البشر في استقبالها للموجات الكهرومغناطيسية غير المرئية من الفضاء ، واثراء
حاسة التنبؤ كما يحدث حين يتنبأ الحمام بالتغيرات الجوية او بحالات حدوث الزلازل
وطبعاً، ان كل الحالات ، هي في الحقيقة تؤثر على افراز غدة ""الميلاتون""لتمارس
لعبة الهرمونات وتاثيرها في التحسس والتنبؤ .. ويمكن تشبيه الموجات  الكهرومغناطيسية
بجهاز الارسال والاستقبال (الاريل ) الذي يمكن ان يوصل او يستلم المعلومات من
الفضاء بتاثير جاذبية القمر ، وفي الحقيقة ان هذه النظرية يؤكد عليها  العلماء النفسانيون
فقط بينما يعتبرها العلماء الفيزياويون  مجرد فكرة مستحيلة

------مـــــدّ  وجزر ماء جسد الانسان  ------

يؤثر المد والجزر على خلايا جسد الانسان ايضا، فقد ذكرت النظريات العلمية بأن اثناء
عملية جذب القمر للارض تتأثر سوائل جسد الانسان .. أي الماء يشكل 66% منه .وقد
وضح العالم الامريكي ( ارنولد ليبير)  في كتابه الشهير ( تأثير القمر) الذي ظهر في
السبعينات بأن المدّ الكبير الذي يحدث عندما تبطيء حركة دوران الارض يحدث تاثيراً
على كهربائية الجسم وهرموناته ومشاعر الانسان بشكل  أو بأخر .. وهناك من العلماء
من ذكر بان اي ارتفاع او انخفاض في مستويات الافق حتى ولو بمعدل سنتمتر واحد فقط
يمكن ان يؤثر على افراز غدة ( النوتيرون) وعلى بناء الخلايا الحية للجسم ، ولكنهم لم
يحددوا على وجه الدقة مدى هذا التغيير .

-------  دراما القمر والدقة العلمية  ------

 ان التاثير الدرامي للقمر ولفصول السنة في الاطار الاجاماعي بشكل عام كان قد فسر
بتوافر حالات الوفاة المتكررة في منتصف الشتاء لدى سكان القطب الشمالي ، وحدوث
حالات الانتحار المتكررة  في شهري أيار وحزيران عند سكان نصف الكرة الجنوبي
والوسط وقد قل  وجود هذه النسبة من الحالات في المئة سنة الاخيرة  وهذا ناتج من مدى
سيطرة الانسان على الطبيعة والمناخ من تهيئة مستلزمات تغيير الجو من مدافيء ووسائل
تبريد .  والى جانب ماذكر هناك بحدوث تخفف من حدة او من صرامة هذه الافتراضات
وتذكر بأن حالات الانتحار - مثلا - في امريكا  لاتحدث عند اكتمال القمر  وحسب بل في
كل يوم تقريبا . وان افتراضات الذئبية ، أي ان يصبح المرء ذئباً ، هي مجرد وهم ليس له
وجود وحتى انعكاسات الموجات  الكهرومغناطيسية بحاجة الى تحديد  ودقة تقييم من
الناحية  الوصفية يؤثر القمر على سلوك الحيوانات لكن تاثيره على البشر اقل من ذلك بكثير
وربما -بحسب رأي العلماء - فأن الموضوع ككل هو مجرد تعقيد معرفي في تبصر الانسان
في عالمه وكونه  ، وربما من الافضل لو جسد بشكل فني ليظهر بشكل لوحة فنية تمثل الكون
كطبل يقرع ايقاعات حياتنا . ترى هل تشكل هذه الايقاعات مراكز 
حياتنا واهدافها ... من يدري؟ 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق