يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان
الله يحب المقسطين ) وبحسب مانتبناه من منهج فأن الخطاب في هذه الآية
المباركة يتوجه الى الذين آمنوا بدءً من الآية الأولى من هذه السورة العظيمة
التي تقول ( يأيها الذين أمنوا لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم
بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول واياكم ان تؤمنوا بالله
ربكم ان كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون اليهم بالمودة
وأنا أعلم بما أخفيتم وما اعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) .وأن
مصطلح (الذين أمنوا) أينما يرد في القرآن مطلقاً غير مقيّد أنما يراد منه مطلق
المسلمين . أما أذا جاء مقيدا فانه يتمسك بالقيد الظاهر في الآية . أمّر من الله .
سبحانه يتوجه الى جميع المسلمين في جميع عصورهم بالتعايش السلمي مع
بقية الطوائف والجماعات بالبر والقسط بضابطة قررتها الآية ( لم يقاتلوكم
في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) والدين في المقام يتسع ليشمل العقائد
فضلا عن الاحكام والتشريعات ، ذلك ان لفظ الدين في القرآن مقيد بقرائن المقام
غير المطلق . فثمة أكثر من معنى لهذه اللفظة . لكن الملفت للنظر هو أن ألآية
لم تخصص جماعة بعينها كأن يكونوا يهوداً او نصارى أوصابئة أو مجوس أو
مسلمين بل المهم أنهم لم يقاتلوا المسلمين بالدين ولم يخرجوهم من ديارهم بالتهجير
والابعاد والاجلاء ، كما نراه يحصل في بقاع يقطنها المسلمون هنا وهناك فمثل
هؤلاء لم ينه الله المسلمين أن يبروهم ويقسطوا اليهم جزاء لحسن سمتهم وجودة
صنيعهم مع المسلمين الذين يجاورونهم وهم ضعفاء اقتصاديا وعسكرياً ، كما يتوقع
من لحن القول في هذه الآية : والاً لم تقع المقاتلة في الدين والاخراج من الديار لو
كان المسلمين أقوياء ،ولم يبق ثمة داع لهذا الخطاب من الأساس .
أذن القرآن يحث المسلمين على التعايش السلمي مع بقية الاقوام بصرف النظر عن
عقائدهم التي يعتقدون بها ومن هنا قال أمير المؤمنين( علي ) صلوات الله عليه
لمالك الاشتر في عهده المشهور : الناس صنفان اما أخّ لك في الدين او نظير لك في
الخلق . ولكننا لو عطفنا النظر الى الاية اللآحقة لهذه ، وهي الآية التاسعة من السورة
نجدها تقرر حكماً متمماً لهذا الحكم الالهي بقولها ( أنما ينهكم عن الذين قاتلوكم في
الدين واخرجوكم من دياركم وظاهرو على أخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك
هم الظالمون ) كذلك فأننا نجد أن هذه الآية لم تذكر عقيدة العدو أيضاً. كأن يكون يهوديا
أو نصرانياً أو مجوسياً أو صابئياً أو حتى مسلماً . ذلك أن البعض من المسلمين أهل
القبلة يعمدون الى مقاتلة المسلمين الذين يخالفونهم بالرأي مكفرين لهم ، ويهّجرونهم
من ديارهم ، ويتأمرون مع غير المسلمين على تهجيرهم وذلك بسلوك طريق التكفير
لهم حتى يسوغ لهم فعل ماتذكره الاية . المقاتلة في الدين والتهجير من الديار يحصل
من مسلمين ضد مسلمين يخالفونهم في العقيدة التي يعتقدون بصوابها ، أو يحصل من
غير المسلمين ، فأذا كان المقصودون هم غير المسلمين فالأمر ليس فيه غموضاً يستدعي
البيان لأنه يقع من باب الأولى ، ولكن مابالك اذا كان الفاعل لهذين الفعلين من المسلمين؟
فهولاء لايجوز اتخاذهم أولياء بمعنى اعطاء الولاية لهم بجعلهم ولاة للأمر على المسلمين
وأن كانوا من أهل القبلة
والخلاصــة : أن الضابطة التي تشيع ثقافة التعايش السلمي بين مختلف أهل الاديان
تلكم الثقافة التي أرساها القرآن العظيم تتمحور حول مسألتين أساسيتين هما
المسألة الأولى : نبذ العنف والقتال الذي يوقعه مسلمين وغير مسلمين على المسلمين
بدعاوى متنوعه
المسألة الثأنية : أمن المسلمين في ديارهم وذلك بعدم تعرّضهم الى التهجير القسري
الذي قد يقوم به مسلمون او غير مسلمين
ثم ان القرآن العظيم يرسي دعائم الطائفية في العديد من السور أذكر منها : البقرة -الاعراف-
النور - العنكبوت -الذاريات - الفاتحة ، ، ثم غيرها أيضاً في تفصيل ذكرناه في موضع غير
هذا . ثم أن الله تعالى جعل الناس غير متكافئين في الامكانات والاستعدادات والقابليات
فالوحدة التي يتحدثون عنها تخالف فطرة الناس التي فطرهم الله عليها قال تعالى في الايتين
118-119 من سورة هود
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ
رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
والخلاصة : أن الاختلاف الحاصل عند الناس فيما يتعلق بالعقائد التي يتبنونها ، والثقافات التي
يتخذونها لاتوجب الشحناء والتباغض ، بل توجب التعايش والتألف
عن مجلة الروضة الحسينيةلكاتبه : كاظم الحسيني الذبحاوي
عدد44 صفر 1433هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق