الأحد، 1 سبتمبر 2019

رسول السماء ... وسمو المبدأ


لايمكن لاي مبدأ أو فكرة  أو رسالة أن تنجح في أرساء دعائمها وأستمرار
تموجاتها الى الاجيال والازمان اللاحقة ما لم يتوافر فيها شرطان اساسيان
اولا : وجود المباديءوالافكار والرؤى التي تستطيع  ان تغذي تلك الرسالة
وتعطيها القدرة على بناء كيانها وارساء دعائمها  ومن ثم تلهمها الروح
القوية القادرة على الاستمرار والنمو والتألق ، وبالطبع فأن هذا يعمد على
نوعية الافكار والمباديء التي تطرحها هذه الرسالة  فلابد ان تكون نابعة
من الواقع الانساني وانسجامه مع التكوين الانساني وحينئذ فهي تخترق
اعماق الانسان التي يجدها عذبة قد روت ذلك الغليل الذي يعذبه بالتيه
والضياع والجهل .
ثانيا : تصبح الفكرة مجرد سفسطة او خيال ما  لم تكن قادرة على اثبات
صحتها علميا لأن طبيعة الانسان الفكرية تجعل من الفكرة مجرد وهم  ان
لم ير  الفكرة بصورة مجسدة في الخارج ذلك ان الفكرة هي انتزاع من
الواقع  والواقع تصديق لتصور الفكرة واثبات عملي لها ، والحقيقة ليست
الا ثمرة للتزاوج بين الواقع والفكرة . ومن هذين الشرطين الذين يكشفان
عن اسباب فشل المباديء أو نجاحها نعثر على الجواب الذي يفسر لنا
قدرة ذلك النبي الوحيد الذي خرج من غار حراء ليبشر العالم برسالة
جديدة وروح جديدة وواقع عملي فريد من نوعه لم يشهد  العلم مثله لا
قبلاً ولا بعداً . ومن أهم هذه المباديء التي كانت الاسس التي تشكل
المجتمع الاسلامي وترسم  له حركته  مثل 
الشورى : التي تعطي المجتمع التماسك والقوة وتبعث على الابداع
والانتماء الانساني للمجتمع واستيعابها للطافات والكفاءات فيسير  المجتمع
الحيوي بحياة الشورى كالنهر المتدفق السيال  جامعا كافة روافده في
اتجاه واحد لتشكيل ذلك المحيط الاسلامي العالمي الواحد
الحرية  : أساس الحقوق التي وهبها الباري الى عباده البشر لممارسة
المسؤولية والتكليف باعتبارها الطريق لتحقيق عبودية الله . وكلما
عظمت ممارسة الحرية  المسؤولة والواعية عظمت ممارسة  الانسان في
 عبوديته لله تعالى
السلم والسلام  :   الكلمة تدور في افواه المسلمين كل يوم مرات كثيرة لتعلن
للجميع ان الدين هو السلام والرفق واللاعنف وان لادين بدون سلام .لآن
الدين يهدف لارساء التعايش الانساني وجمع البشر في بوتقة مبدئية واحدة
ومع العنف ينتفي التعايش وتنفخ ابواق الحرب  نعيرها ويقاد البشر الى مسالخ
الذبح والقهر
الاخوة  :  ما اعظم ماتجسده هذه الكلمة من روح عظيمة تهيمن على القلوب
بمبادئها حيث تركع امامها كل الفروقات الطبقية والعنصرية والمادية  التي يضعها
 الضالون لتحكيم طغيانهم وترجمة شهواتهم باستعباد الانسان بهذه الفوارق الوهمية
واذا لاحظنا خريجة آلام التاريخ البشري وتعاسته وخصوصاً العصر الحديث 
ترى ان هذه المباديء تمثل البلسم الشافي لكل هذه الآلام . لان معظم التعاسة
البشرية صدرت من ممارسات الاستعباد والطبقية والاستبداد والحروب الجشعة
وتناقضات العنصرية . ولكن لم يكن لهذه المباديء ان تعطي الدفء والامل للعالم
ما لم يكن هناك رسول عظيم جسدها فشكلت تلاحماً مقدساً وفريداً بين الفكرة
والواقع ولولا قدرته التجسيدية العظيمة لكانت هذه الافكار مجرد نظريات نقرؤها
في الكتب  فمع الشورى استطاع ان يجمع الرسول العظيم ذلك الحشد الانساني
المتموج في اقصر مدة يمكن للعقل البشري ان يتصورها مما دل على سمو مبدأ
الشورى وتألق حامله وتجسيده المتكامل بشهادة القرآن الحكيم :  ( ولو كنت فظاً
غيظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر ) ومع
راية السلم واللاعنف كانت كلمات الرسول  الرحيم اللين تنسل الى القلوب القاسية 
فتخضع خاشعة ذليلة امام روح ذلك العفو الكريم المسامح لتبدي الجزيرة  العربية
مرحلة جديدة من التبشير السلمي والروح المتسامحة الرحيمة والمحبة بعد  ان كانت
قد اصبحت كالحجر قسوة وغلاضة وجفاء في الجاهلية . ومع الحب الاخوي الذي
ينبع من اغساق قلبه كالشلال الهادر انخمدت اصوات جاهلية القبلية وطبقية اللغة
والثروة . فما أعظمها من روح استطاعت ان تفرض نفسها على كل قريب وغريب
فيسكن هادئاً وديعاً امام عنفوان ذلك الرسول . وما اعجب ذلك المجتمع الذي كان
يعيش مع رسول الله هل تسميه جمع المتناقض او التناقض المجموع ولكنه تعبير
واضح لانقاش فيه عن عظمة المبدأ وقدسية رسوله صلى الله عليه وآله وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق