على الرغم من ان الفنان شعوبي ابراهيم ولد ونشأ وعاش وامتدت جذوره في
محلة الشيوخ منطقة الاعظمية ، الا انه وجد نفسه مرغما ان يترك ذلك البيت
الصغير الذي لم يتسع لاحد عشر من ابنائه وبناته فينتقل معهم الى منطقة
قريبة في الصليخ وفي دار بناها هو بنفسه وصنع لها ابوابها وشبابيكها بل
حتى رفوف الاواني والكتب والالات الموسيقية التي يحتفظ بها حتى الان
ومع ذلك فيمكن ان تجد اثار تلك الطقوس والمناقب والادوات الصغيرة في
بيته الجديد وبين افراد عائلته ثمة وشائج تكتشفها - الثابت والمتغير في النشأة
والتربية ... ابناء مازالو يستلهمون تلك التقاليد الفنية ، فهم يصنعون آلة الجوزة
ويضيفون عليها لمسات التطور التي اضفاها الاب العازف ، واخرون يدرسونها
ويدرّسونها ، وثمة فتى صغير من ابنائه يعزف الايقاع بمهارة فائقة .
اثاث بسيط ومتناقض في وقت واحد بين الاجهزة الحديثة والموروثات الاصيلة
الات الجوزة والعود والرق والدف يمكن ان تشكل منها فرقة موسيقية صغيرة
وطالما شهد هذا البيت تمرينات عزفية لعازف العود هيثم وعازف الجوزة
وصانعها مازن وعازف الايقاع حيدر بأشراف ابيهم الفنان شعوبي ابراهيم
اذا ذكر المقام العراقي فلا بد ان يشار الى ابرز ثلاثة ساهموا في رفد هذا
الفن الاصيل بطاقات رائعة بحيث اصبح فناً جماهيرياً بعد ان كان فن للنخبة
من متذوقيه في البيوت والمقاهي ، محمد القبانچي في تبسيط المقام وابتكار صيغ
جديدة والخروج بها الى آفاق عربية وتهذيبها من الرطانة الاجنبية ، ويوسف عمر
في المحافظة على خصائص مدرسة القبانجي .. وشعوبي ابراهيم في احياء مجد
الة الجوزة التراثية والاسلوب العلمي في تحليل المقام وتلقينه الى الجيل الجديد عبر
معهدي الفنون الجميلة والدراسات النغمية
في معهد الفنون الجميلة درس الكمان وتخرج على يد الاستاذ منير بشير ، ثم درس
العود وتخرج على يد الاستاذ جميل سليم ، لكنه وبعد ان اتقن العزف على هاتين الآلتين
اتجه الى (الجوزة ) فتعلمها تلقائياً ،في وقت لم يكن ثمة اكثر من عازفين اثنين على هذه
الالة ... حين قررت زيارة الاستاذ شعوبي أبراهيم في بيته فوجئت بخبر ألمني كثيراً -
الفنان شعوبي أصيب بفقدان البصر منذ فترة قصيرة - وهو يباشر العلاج على يد افضل
اطباء العيون بتوجيه خاص..أذن فهو منقطع عن فنه هذه الايام هذا ماقاله لي ولده الفنان
هيثم شعوبي ... ولا بد ان اكون دقيقاً في اختيار الموضوعات ، لكنه حين استقبلنا كان
اكثر تالقاً في سرعة البديهية وحلاوة النادرة .... ثلاث ساعات وهو مفعم بذكريات تمتد
الى اكثر من اربعين عاما من الفن والفنانين وجيل المقام ومفارقات الاصدقاء وهكذا
بدأنا معه : استاذ شعوبي قيل لنا انك متعدد المواهب منذ طفولتك هلاً تحدثنا عن
اتجاهك المبكر للموسيقى ..و أجابنا :- في مرحلة مبكرة بدأت نظم الشعر الفصيح
وبعض الزهريات والابوذيات ، وألفت بعض الاناشيد المدرسية عندما كنت مشرفا فنيا
في النشاط المدرسي ، وأذكر أن مجلة ( الرسالة المصرية ) نشرت لي قصيدة غزل
شغلت ليلاي بالي - وغنت نرجس شوقي بعض ما ألفته بالشعر العامي أذكرمنها
اغنية (( شدعيلك يلي حرگت گلبي )) كما أدت فرقة الانشاد أحد توشيحاتي ..لكن
أنصرافي كليا الى الموسيقى انساني تلك البدايات الناضجة ... عزفت العود والكمان
والسنطور والمزهر والشبّابة والقانون وتعلمت آلة الجوزة تلقائياً بعد ان رأيت الحاجة
الماسة لاحيائها وربما كنت اول من الّف لهذه الآلة ...
كنت اهوى النجارة ، صنعت في مرحلة الشباب عددا من الزوارق الصغيرة للسباحة
ومازلت امارس هذه الهواية على صعيد صناعة الجوزة .
يضيف ولده مازن الذي تخصص بصناعة الجوزة في ورشة صناعة الآلآت الموسيقية
وهو يدير الان فرع صناعة هذه الالة ، أنه تعلم هذا الفن من والده الذي اتسع وقته انذاك
لصناعة الاثاث الخشبية ودواليب حفظ الاواني والرفوف ، وحتى ابواب البيت الذي يسكنه
انما هي من صنع ابيه
****** يــؤلف كــتابه في المقهى ******
في ( مقهى عباس ) في الاعظمية كان شعوبي يلتقي يومياً بأترابه وزملائه ، وقد وضع
أول مؤلفاته - المقامات - في هذه المقهى ، كما يروي لنا صديقه الفنان وليد الاعظمي
حيث يقول انه كان ينشيء كل يوم مقامة او مقامتين يمليهما وهي تزخر بالسجع والنثر
الفني وفيها معلومات قيمة عن المقامات العراقية والالحان ولم يعتمد على مصدر واحد
حيث كان قوي الذاكرة في حفظ النصوص ، وكتابه يمثل أسلوباً جديداً في تحليل المقام
أما كتابه الثاني ( دليل الانغام لطلاب المقام ) فقد اعتبر مصدر للعديد من الباحثين
ويدرس الآن في معهد الدراسات النغمية
هيثم أبن الفنان شعوبي تعلم هو الاخر صنعة والده ، درس آلة الجوزة وتخرج من
المعهد وهو يتقن العزف على آلتي الجوزة والعود ولحن عدد من الاغاني ، كما
رافق أباه في مهرجانات دولية في تركيا والمغرب والدنمارك ، وسجل معه حلقة
تلفزيونية للذكرى ، يقول ان اغلب الالحان التي صنعها كان فيها تأثير المقام العراقي
وهو يدّرس التربية الموسيقية في معهد المعلمين
****** تدوين المقام العراقي ******
سألت الاستاذ شعوبي .. تثار بين فترة واخرى دعوات لتدوين المقام بالنوطة الغربية
مارأي الاستاذ شعوبي بذلك ؟ أجاب
نعم لتدوين المقام لانه الاسلوب العلمي الاكثر حفظا لاصوله وخصائصه ، ولكن مايؤخذ
على هذا الاسلوب ان النوته الموسيقية تهمل دور الزخارف - الكومات - التي يتميز بها
غناؤنا العراقي . أذن يجب استخدام النوتة مع اشارات خاصة على غرار مافعلته الصين
في تدوين موسيقاها الشعبية التقليدية .. ومايثير الدهشة ان هذه الدعوات جاءت في مرحلة
تطورت فيها اجهزة البث والسمع كالفديو والكاسيت والفونوغراف يشكل باهر .. اليست تلك
من افضل وسائل حفظ الموروث الفني
سؤال :- علاقتك بالمقام العراقي ، هل أمتدت الى الفلكور ؟
اذا كان المقصود بالفلكلور - أغنية الريف - فقد تعلمتها من المرحوم الطويرجاوي ، حين
جاء الى بغداد ، كنا نلتقي به في بيت الفنان يوسف عمر ، فتعلمنا الاطوار الريفية واسماءها
التي تخضع ايضا لانغام المقام العراقي ، وقد جربت غناء هذه الاطـــوار
****** القبانچـي ومقام اللامي ******
ذكر أحد المعنيين من خلال الشاشة الصغيرة .. ان مقام اللامي لم يبتكره القبانچـي وهو
مدون في مؤلفات الارموي منذ مئات السنين .... هل لهذا الرأي من حجة ؟
لو ان الارموي ذكر مقام اللامي وحدد خصائصه لاستفاد منه الباحثون والفنانون
المصريون الذين عرفوا الارمواي قبلنا وحللو مخطوطاته .. لكننا لم نسمع بهذا
المقام الا بعد ان غناه القبانچي ، حتى أن الموسيقار عبد الوهاب ذكر مرة انه استفاد
من مقام اللامي للقبانچي فلحن اغنية - يلي زرعت البرتقال
****** شعوبي وآلــــــة الجوزة ******
وللفنان شعوبي ابراهيم موهبة نادرة في القاء المزحة وعرض الدعابة والنكتة ، حلو
المجلس في حديثه ونوادره حتى اعتبره احد زملائه من اكبر ظرفاء بغداد المعاصرين
يقول شقيقه حكمت أنه يذهب به يومياً الى مقهى السدير وما ان يجلس في المقهى حتى
ترى محبيه ينتقلون اليه ويستمعون الى احاديثه وطرائفه منشغلا بها وبهم عن ألمه
بفقدان البصر ... ومن طرائفه التي رواها يوم سافر مع فرقة الچالغي الى الجزائر
للمشاركة في فعاليات موسيقية وفوجيء " هناك بأن آلته -الجوزة - لم تصل معه ،تدارك
الموقف وعزف مع المطرب بألة الكمان في اليوم الاول . وحين وصلت الآلة في اليوم
الثاني قدم العرض بآلة الجوزة مرة ثانية .. ولشد ما ادهش جمهور الحفل حين عزف
مرتين بآلتين مختلفتين
سألته :- عدا فناني المقام ..... لمن يستمع ويطرب له شعوبي ؟
المقام لايحجبني عن سماع الاصوات التي أطرب لها .. أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب في
الاغنية العربية المتكاملة الخصائص ، وحميد منصور وسعدون جابر في الوان العتابة
والسويحلي والمحمداوي
سؤال :- وهل الاصوات الجديدة ........لك رأي فيها ؟
في جيل الشباب اعتقد محمود انور وكريم محمد لهما مستقبل اضافة الى تلاميذي الذين
برزوا في فن المقام حسين الاعظمي وصلاح عبد الغفور واحمد نعمه وصلاح حميد ومحمود حسين
ونحن نتمنى للفنان شعوبي المزيد من العطاء في خدمة الحركة الموسيقية اضحكنا
بواحدة من ملحه ، حيث قال : نسيت أن أخبركم بان المؤسسة العامة للسياحة
افتتحت مشكورة مقهى شعبي للمقامات العراقية في المدينة السياحية واسمته
مقهى شعوبي تقديرا منها لفني .. وفي حفل الافتتاح الذي لم احضره غنى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق