الأربعاء، 18 سبتمبر 2019

البداية لاكتشاف فرط الموصلية / الثورة التقنية (القصة )


كان حشدا ً كبيراً ذلك الذي تجمع امام قاعة نيويورك هيلتون بدأ المحتشدون يصطفون
خارج القاعة من الخامسة والنصف مساءً وما ان فتحت الابواب بحدود السادسة 
والخامسة والاربعين دقيقة حتى تدافعوا الى الداخل كل يريد ان يقوز بمقعد او مكان
يقف فيه ... لم يكن المحتشدون في انتظار عرض سينمائي او حفلة راقصة .. بل كانوا
جميعاً علماء في الفيزياء جاءوا ليشهدو حدثاً قيل انه سيغير وجه العالم ..فماهو هذا الحدث ؟
لقد بدأت دورة من الاجتماع السنوي لجمعية الفيزياء الامريكية .. كان الانفعال بادياً على
الوجوه ز وبدأ الامر أكثر من مرة كأنما الاجتماع لحفلة راقصة أكثر مما هو لمؤتمر علمي
ثلاثة الاف عالم فيزياء حاولوا ان يحشروا انفسهم في قاعة لاتستوعب نصف هذا العدد 
ولكن المحاولة لم تجد نفعاً مما اضطر البعض الى الاكتفاء بمشاهدة مايجري في الداخل 
عبر شاشات التلقزيون المثبتة في الممرات ، وأبتدأت الدورة لتستمر قرابة الثماني ساعات 
الى مابعد الساعة الثالثة صباحاً - اصغى خلالها العلماء المجتمعون بانتباه الى متحدثين 
تعاقبوا الواحد تلو الاخر .. لم  يتجاوز حديث الواحد منهم الخمس دقائق كانوا فيها يتلقون
استحسان وحماس المجتمعين . ثم انفض الاجتماع ولكن بعض الحاضرين بقوا الى مابعد
الفجر يناقشون بلهفة وحماس ماسمعوه وشاهدوه ..فما الذي حدث في داخل  القاعة  ؟
اللهفة والحماس في ذلك الاجتماع  الصاخب والمنعقد في اذار  سنة 1987 كانا بسبب 
اكتشاف يعتقد بأنه سيغير وجه العالم 
مدخل مذهل في تحقيق ظاهرة خفية لطالما ابعدت الى مكان خلفي منعزل في دنيا العلم 
انها مايعرف في الفيزياء بفرط الموصلية هذا الاكتشاف . يعتقد معظم العلماء ، بانه سيؤدي
الى توفير هائل بالطاقة والى قطارات اتطلق في البلدان  بسرعة مئات الكيلو مترات في
الساعة على وسادة من المغناطسية  وسيارات كهربائية عملية وكومبيوترات صغيرة ولكنها
ذات قدرات عالية ، ومفاعلات ذرية امينة ، بالاضافة الى اشياء عديدة اخرى لايمكن
تقديرها في الوقت الحالي .. وقد تكون لها فوائد حتى في ميدان الدفاع الستراتيجي  او
في اعداد اسلحة الفضاء 

فرط الموصلية ماهو  ؟

فرط الموصلية تعبير يشيير الى انتقال متميز يحدث في كثير من المعادن عندما تبرد  الى
درجات حرارية ضمن حدود عدة درجات من الصفر المطلق (( الصفر المطلق يساوي460
درجة فهرنهايت او 273 درجة مئوية انها درجة حرارة فرضية تتسم بفقدان الحرارة فقدانا 
كاملاً وهي ابرد درجة يمكن تصورها )) وعندما تقترب المعادن من هذا الحد البارد تفقد
فجأة جميع مقاومتها الكهربائية وتصبح ذات قدرة عالية على التوصيل يمكنها هذا من  حمل 
التيار دون فقدان في الطاقة وفي بعض الحالات يجعلها تولد حقولا مغناطيسية هائلة القوة
وقد ادرك العلماء منذ سنين بان تطبيقات هذه الظاهرة قد تكون هائلة ومثيرة ، ولكن عقبة
عنيدة كانت تقف في طريقهم ، وهي ان الوصول الى الدرجات الحرارية المطلوبة لفرط 
الموصلية وادامتها في المعادن صعب وباهظ التكاليف في اكثر الاحيان .. اما الان  وعبر 
سلسلة من الاكتشافات السريعة بدأ الباحثون في العالم يبتكرون صنفاً مختلفاً من المواد اصبحت
ذات قدرة عالية على التوصيل في درجات حرارية عالية نوعا ما ...مثل هذه الانجازات
كان لها وقع الصدمة الكهربائية في موضوع كان الى عام مضى لايحظى بأكثر من تثاؤب 
الفيزيائين ، ونظرات استخفاف نت السياسين 

التعلق بالهواء وجائزة نوبل  
لم يكد يمضي اسبوع واحد على اجتماع مدينة نيويورك حتى توالت التقارير العلمية من العلماء 
والمتنافسين . وبدأت الصحف الاعتيادية والمتخصصة بالشؤون العلمية بنشر مقالات عن مواد
عالية التوصيل جديدة ذات مديات حرارية اعلى فقد اصبح التاثير الذي كان يمكن ادراكه بواسطة
معدات معقدة فقط منظراً اعتيادياً في المؤتمرات . أحد نماذج المواد الجديدة وضع في اناء من 
سائل النتروجين ووضع فوقه في الهواء حجر مغناطيسي ولما كانت  المواد المفرطة التوصيل 
تصد الحقول المغناطيسية اتضحت ظاهرة تعرف باسم تاثير ( مايستر ) وظل حجر المغناطيس 
معلقاً في الهواء . لم يكن العرض من وراء عرض هذا النموذج في المؤتمرات اظهار لعبة قد 
تكون مسلية بل تبيان للفعالية الشديدة للمواد مفرطة التوصيل الامر الذي جعل كثيراً من العلماء
في العالم يلغون اجازاتهم ويتناسون عوائلهم في سباق مع الزمن يقضون فيه ساعات النهار 
والليل في المختبرات في تنافس قد يؤدي الى الفوزبجائزة نوبل . ولا يشمل التنافس الاشخاص
فقط بل الدول الصناعية في العالم ايضاً . فكلما كان ادراك المنفعة التجارية للتطور الجديد اسرع
كانت الفائدة اكبر ، وفي اليابان وضعت وزارة التجارة الدولية والصناعة خططاً لتقديم العون
لابحاث القطاع الخاص ولتأسيس مركز في ناغويا لاختبار المعدات المصنوعة من المواد  
المفرطة التوصيل . وفي واشنطن قرر قسم الطاقة زيادة الدعم للبحوث الخاصة بالمواد المفرطة
التوصيل الى اربعين مليون دولار كما قامت دول اخرى باجراءات مماثلة في المجال ذاته 

حفنة من الكيبلات تغذي مدينة كبيرة 
عند انتقال الكهرباء في خطوط الجهد العالي يفقد من الطاقة الان بحدود العشرين بالمائة على 
شكل حرارة تتولد بفعل مواجهة التيار للمقاومة في السلك النحاسي . فأذا ماامكن ارسال 
الكهربائية عبر كيبل مفرط التوصيل فلن يفقد كيلو واط واحداً في الثانية من الطاقة . وهكذا
 يمكن تجنيب المؤسسات ذات المنفعة وحتى المستهلكين بلايين الدولارات . فضلاً عن - وان
كان هذا المستوى النظري - امكانية تجهيز احتياج مدينة كبيرة من الطاقة الكهربائية عبر
حفنة من الكيبلات الارضية فقط . كما ان زوال الحرارة التي تسببها المقاومة الكهربائية قد 
يكون له تاثير كبير على تصميم وأداء الكومبيوترات ففي محاولات لانتاج  كومبيوترات 
اصغر وأسرع يحاول المصممون حشر دوائر كهربائية اكثر في الرقاقات ، ورقاقات اكثر في
مجال صغير ولكن الحرارة تبقى عقبة في طريقهم لان التيارات حتى وان كانت صغيرة في
دوائر الكمبيوتر تنتج حرارة قد تتراكم فتلحق التلف بالاجزاء المجاورة اذا ماكانت قريبة
جداً منها . ولا تستطيع اليوم الكمبيوترات الشخصية العمل دون فتحات او مراوح داخلية
لتثبيت الحرارة 

تطبيقات منظورة واخرى مستقبلية 



في مجال التطبيقات الاخرى يمكن للمجالات المغناطيسية الشديدة والتي من الممكن ان
تولدها في يوم ما المواد مفرطة التوصيل خدمة اي ابتكار يستخدم في الوقت الحاضر 
المغناطيسية الكهربائية في عمل مثل مكائن التشخيص الطبية ، والقطارات المرتفعة في
الهواء مغناطيسياً . ومولدات الطاقة الهيدروجينية ، والمحركات الكهربائية ، وبلا شك 
هناك حشد اخر من المكائن الجديدة .. كل هذه أمثلة لنماذج  واضحة  ومنظورة ولكن 
العلماء مثل ( روبرت شريفر) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة في عام 1972
يعاقد باحتمال  حدوث تطبيقات مثيرة ليست بالحسبان ويضرب على ذلك  مثالاً
فيقول :- ( عندما اخترعت الترانزسترات في باديء الامر اعتقد بأنها ستحل محل الصمامات
المفرغة فقط  ، ولم تكن هناك فكرة عند احد عن المجال  الكبير الذي احتلته الدوائر التكاملية )و
يتفق روبرت كانا من مختبرات بيل مع روبرت شريفر فيقول  :-  نحن لانعرف الى ماذا 
سيقود الاكتشاف الجديد .. الا أنه مثير ومخيف في الوقت نفسه   




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق