الأحد، 17 فبراير 2019

أنا وخلاف والايفاد




أنا  وخلاف  والايفاد

حينها  كنت في الخامسة والعشرين من عمري ولم يمضي على توظيفي الا سنتين
التقيت مديري المباشر بطريق الصدفه في ساحة الشركة وبادرته بالتحية والسلام
كونه رجل محترم كبير السن قارب الستين ورئيسا للمهندسين  رد لي التحية وسألني
بأستغراب شديد قائلا :- منوعندك بالوزارة معارف  رددت عليه بكل أدب وبرود 
ليش أستاذ ؟ أنا لا أعرف أي أحد بالوزارة ( وفعلا أنا لم أكن أعرف أحد)هناك
فقال لي مديري :- أذن أذهب ألى القسم الاداري فهنالك ظرف خاص وسري وصل
اليك من الوزارة ... كيف يصلني ظرف وسري وانا لا اعرف احد هكذا فكرت
وقلت في نفسي أن مديري يحبني كثيرا لاجتهادي في عملي ونكراني لذاتي كوني
احيانا أستمر في دوامي لوجبتين متتاليتين او حتى ثلاث وجبات عمل أن كان
هنالك عطل أو مشكلة تستدعي تواجدي وحضوري . لهذا فكرت أن مديري أرسل
أسمي الى الوزارة ورشحني للايفاد الذي سيتقرر لاحقا أما الى انكلترا او الى الدانمارك
باعتبارهما الدولتين المجهزتين لمعمل شركتنا وشروط التعاقد تنص على ذلك ولكنه أخفى
ذلك عني وعن الاخرين  تجنبا لاي حساسية وردود أفعال غير مرغوب فيها
    قد تحصل ومما اكد لي تلك الافكار مدير القسم الاداري وهو يسلمني الظرف قائلا
بالتوفيق يارب .. وسألته متى أذهب لديوان الوزارة قال لي غدا صباحا لاتحضر للدوام
أذهب من بيتك الى الوزارة سيكون أسهل واقرب لك خصوصا وان مكان عملنا يبعد
 عشرين كم عن مركز العاصمة بغداد.. وحين حل صباح اليوم التالي تأنقت وارتديت
بحسن أختيار ملابسي وتعطرت وكأنني ذاهب لزفة عرسي .. كانت الساعه
قد تجاوزت الثامنة والنصف بقليل وقرأت سورة الفاتحة كما علمني ابي لتسهيل أمري
لاجد احب أصدقائي في باب بيته وقال لي ... يبين معزوم ومارايح للدوام رددت عليه
تعال وحين أقترب مني ... قلت له طالبيني بالوزارة على مود ارسالي ايفاد ومن أروح
للايفاد وربي اجيبلك قمصله جلد عمرك ماحلمت بيها .. فقال لي أسكت أسكت ليكون
أحد يسمعك ويحسدك ويضيع عليك الايفاد واكمل قائلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
يقول ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) قلت له صدقت واوصلني حتى ركبت
الى الباب الشرقي - أنا لم أكن اعرف مكان الوزارة أين ولاكيفية الوصول لها لهذا اوقفت
سيارة تكسي وطلبت منه ايصالي اليها لانني لا اعرف الطريف وكل ما اعرفه انها تقع
في منطقة الكرادة قال لي السائق نص دينار اوصلك للباب  تخيل ( 500 فلس ) للتكسي
ووافقت وفعلا اوصلني ووقف قرب باب الوزارة وشكرته واتجهت نحو شرطيان  يقفان
ببابها وسئلاني ماذا تريد :- قلت وصلني ظرف أستدعاء من الوزارة هذا فقلبا الظرف
وقال احدهم اصعد للطابق الثالث وخيرني من هنا المصعد الكهربائي ومن هذا الجانب
السلالم العاديه . وأخترت ان اصعد السلالم العاديه لامنح نفسي فرصة تدخين سيكارة
فلقد كنت بامس الحاجة لها وأنا انتظر بفارغ الصبر مقابلة الوزير او أي مسؤول كان
كنت ارتقي السلم واحلامي بالسفر والطيران والحسناوات في الدانمارك والشعر الاشقر
يتلاعب بمخيلتي كنت طروبا سعيدا انتظر اللحظات بفارغ صبر لايحتمل ووصلت
الطابق الثالث وسالت احدهم أين أذهب قال لي :- أستدعائك من قبل وكيل الوزير اذهب
الى مكتبه  .. وصلت باب كتب عليها سكرتير السيد الوزير طرقت الباب وهي مفتوحه
قال تفضل : سلمت واضفت مع السلام شلونك أستاذي .. رحب بي الرجل وطلب مني
الجلوس ورن الجرس ليحضر الفراش وسألني كهوة -شاي- حامض- قلت له والخجل
يربكني :- لا أستاذ ما اشرب قال  :- عيب أنت أبن عرب وانت ضيفي لازم تطلب شيء
طلبت شاي وقتها .. وانا متعجب وأتسائل في داخلي لم يسألني السكرتير عن حاجتي
وسبب حضوري ومرت دقائق تناولت خلالها الشاي وعند الانتهاء سألني السكرتير
تفضل اخي كول شنعدك :- سلمته الظرف  وفضه  .. في حين كان هنالك اشخاص يدخلون
من باب داخل غرفة السكرتير لا اعرف اين تصل بهم بعد اطلاعه على الظرف والورقه
التي بداخله دخل من تلك الباب التي نوهت عنها وتركني وحدي وعاد بعد دقائق يحمل
ملف احمر وسألني ... تعرف خلاف ؟ لا اعرف ما اصابني وهو يسألني
ورددت عليه  شنو مافهمتك أستاذ .. كرر كلامه قائلا :- تعرف خلاف ؟.
 قلت له أستاذ  تقصد خلاف محمود  
قال :- اي بالضبط واضاف
شنو هذا خلاف  . رددت عليه ببرود خلاف هو أحد عمالي كهربائي من اشقائنا المصريين
 في (وقتها كان غالبية العمال من الاشقاء المصريين) .. قال السكرتير وبعد  أكمل قلت لاشيء
قال تعرف لو لا :- قلت شأعرف أستاذ  رد السكرتير قائلا لي  خلاف أشتكى
عليك لانك شتمت نائب رئيس الجمهوريه ... قلت للسكرتير مقاطعا .. أنا أشتم النائب ليش؟
متى شتمته أنا؟ ثم وينه خلاف المصري ؟ خلي أعرف شنو كان كلامي ؟ لحظتها تركني
السكرتير ودخل من الباب الذي يقع خلف مكتبه .. انا تلاعبت بي الدنيا لحظتها
شعرت بحبل المشنقه وتخيلت سجن ابي غريب .. وخيالات الايفاد طارت مع الحسناوات
وحل محلها الموت او على الاقل السجن المؤبد ... وبلا سبب لمجرد أن خلاف "الله لايخلف
عليه"  شكاني واتهمني بتهمة لا خلاص منها الا بقدرة واحد احد كما كانت افكاري تغور
بجمال الايفاد وروعته صارت تتعمق بالشنق والموت والطرد .. وليقطع السكرتير افكاري
وهو يقول ...أنت قبل شهرين شتمت خلاف وقلتله بالنص  
 العن ابوك لابو أبو اللي جابكم للعراق ) واللي جابهم السيد النائب .. لحظتها)
قلت للسكرتير :- صحيح أنا قلت هالكلام لكن الكلام ناقص ماكان هالشكل قاطعني سكرتير
الوكيل قائلا :- زين أحجيلي اللي صار .. قلت للسكرتير 
انا كنت مسؤول عن شعبة الصيانة للوجبة الليلية و دوام الوجبة من ساعة 12 مساء
لغاية ساعة 6 صباحا . ساعة 2 و ثلث فجرا تم أخباري بوجود عطل خرجت من الورشة
(باتجاه قاعة الانتاج لمعاينة العطل . في طريقي كانت هناك مجموعة من ( چـوادر 
أغطية نستخدمها لتغطية الانتاج ممتدة مسافة مايقرب خمسين متر حين مررت من جنبها
رأيت فردة حذاء قديمة ركلتها برجلي ( جلاق ) أتضح ان فردة الحذاء في رجل احد العمال
وحين ركلتها نهض العامل الذي كان نائم تحت الاغطية البلاستيكية ولا يمكن مشاهدته
، عند نهوضه عرفت انه احد عمالي وهو خلاف محمود وبسبب عصبيتي لوجود عطل
ونوم عامل التصليح قلت له ( العن أبوك لابو اللي جابك اذا جابك حتى تنام وقت العمل هنا ) هذا
 كل ماحصل يا أستاذ - الله وكيلك ومحمد كفيلك ... عندها قال لي السكرتير زين
و ناولني ثلاث اوراق مجمعة فوق بعضها بدبوس ، العلويه بيضاء والوسطى حمراء وتحتهم صفراء
وقال ... أكتب كل الكلام اللي حكيته لي بالورقه ,,, رددت عليه والله استاذ مايحتاج انت
تعرف الشعارات هسه كلها تاكد على العمل وعدم اضاعة الوقت  لان اضاعة
دقيقه من العمل اضاعة فرصة من التقدم هو السيد النائب ياكد عليها وغيرها كثير.
كتبت افادتي كلها واخذها السكرتير الى وكيل الوزير وعاد بعد ربع ساعه كانها ربع قرن
وقال  روح هسه انت .. لم اصدق كلامه وقلت له : أروح استاذ يعني أروح قال روح
نزلت السلالم اسرع من البرق ودخلت اول فرع جنب الوزارة وشعرت بوعكه في بطني
واوقفت اول تكسي صادفني وقلت للسائق ( دوسلها بانزين ) لاتوكف ... قال السائق  خيرك
قلت له عدنا عرس وتأخرت  قال عرسك  قلت لا عرس أخي .. هنئني الرجل لحسن نيته
ووصلت البيت لاصادف جاري وصديقي الذي الذي وعدته بقمصلة الجلد اسرع لاستقبالي
وقال لي ها صارت شغلت الايفاد ... رددت عليه يا أيفاد صار اسهال راح اورثه للاحفاد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق