حصار الاربعين وحكاية التموين
الغالبية منا عاش حصار التسعينات الذي فرض على العراق وانا واحد ممن
عانى من أثار الحصار هذا واضطرتني الظروف
وقتها للعمل بثلاث مهن لتجاوزالعوز و ازمتي الماليه
والتمكن من اعالة عائلتي لقلة راتبي على اعتبار اني موظف مازال حينها
في بداية السلم الوظيفي.. كان ابي رحمه الله يكلمنا كلما جاء مبرر لموضوع
أيام التموين وحصار سنة الاربعين التي عانوا منها
فما هي حكاية هذا الحصار القريب البعيد الينا
الحكاية تبدء اعقاب فشل حركة مايس عام 1941 والتي كانت بقيادة
المرحوم رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة حيث فرض
الانكليز الحصار الاقتصادي على العراق كعقوبة لكسر معنويات اجدادنا
واهالينا وذلك لتأيدهم لحركة مايس كان هذا اولا والسبب الثاني لانهم
أي شعب العراق وقتها رفض الاشتراك وزج شبابه للتطوع في القتال
الدائر أيام الحرب العالمية الثانيه مع قوات الحلفاء ضد الالمان وحلفائه
مازلت أتذكر حكايات عمي وعماتي(رحمهم الله) عن معاناتهم
أيام ذلك الحصار الذي اختلط فيه الحلو بالمر وكيف أنهم تجاوزو تلك
المحنة والتي يسمونها هم (بأيام التموين) وهذا يذكرني بما قرأته في
كتب التأريخ أن قريش سبقت الانكليز بقرون حين فرضت الحصار
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشمل حصارهم عشيرته
والمقربين منه . رغم ماعاناه الرسول الاعظم الا أن ارادة الله أنتصرت
نهاية الامر ويتضح هنا أن أسلوب وطريقة التجويع قديمة ومثلما حصل في
التسعينات الذي عشناه كان حصار الاربعينات حيث يتم تزويدالعوائل
ببطاقة تموين خاصه من خلالها يمكنهم أستلام المواد الضرورية كالسكر
والشاي والسمن ( الدهن ) والقماش وغيرها كانت المواد ذات الاستهلاك
اليومي هي الاهم في ذلك الحين فلم يكن هنالك أجهزة أو معدات تخضع
للحصار وعموم الناس لاتمتلك السيارات ولا أجهزة ألكترونيه أو منزليه
كما هو حال اليوم . لهذا لم يكن حصار الاربعينات مؤثر جدا خصوصا
ان الزراعة توفر الكثير ممايحتاج الناس اليه من قوت يومي المشكلة
أن الشعب العراقي بطبعه يعشق الشاي بل مدمن عليه من سنين طوال
والانكليز أستغلوا هذا الامرللانتقام لهذا كانوا يوزعون ضمن الحصه
التموينية نوع من السكر الرديء غير مستساغ وغير صالح للاستهلاك
يحمل رائحة العفونه وبكميات قليله اما الشاي فقد أستغل بعض ضعاف
النفوس ممن لهم علاقات مع الموزعين أستغلو عدم توفره فبدؤا يخلطونه
مع الشاي المستعمل الذي يتم تجفيفه جيدا بعد أستخدامه وكذلك خلط دهن
الحر الريفي مع الدهن المنتج صناعيا النباتي العادي.
يقول الباحث الفلكلوري العراقي عبد الحميد العلوجي (عن التموين ) بعد فشل
ثورة 1941 ظهرت احداث التموين ولاول مرة كلمة التموين تدخل
اذهان العراقيين حيث انهم لم يعتادو في ذلك الوقت الوقوف في صفوف
لان الصفوف تعني وجود شحة في المواد لهذا أستقبلت بطاقات التموين
بالدهشة وكانت هذه البطاقات تشتمل على مواد السكر و الشاي والاقمشة
ويكمل حديثه قائلا
واذكر ان السكر كان معبأ بأكياس لونها أحمر يميل الى السواد فيه ( شوخره)
ولا استطيع ان اضع كلمة فصيحة لكلمة (شوخره ) بقدر ان أقول أنها تعني
العفن او اي شيء اخر ويضيف العلوجي كان عمري وقتها اربعة عشر عاما
وكانت بطاقات التموين توزع من قبل المختارين وهؤلاء كانت لهم الحضوة
والوجاهه وقد شملت البطاقات كل أهالي مدينة بغداد ( انتهى كلام العلوجي )
أحب أن أذكر هنا ان القماش الذي كان يوزع وقتها هوقماش على شكل دشاديش
أو ماتسمى ( الكريشه ) وكان محدد لكل شخص كيلو سكر وربع كيلو شاي
مع خمسة اذرع من القماش الاسمر أو مايسمى ( خام الشام )
وذراعين قماش كريشه وعانت بعض العوائل من عدم توفر العبي ( العباءة )
النسائيه مما أضطرهم الى أستخدام اكياس السكر الفارغة المصنوعة من الجنفاص
وصبغها باللون الاسود وأستخدامها كعباءة ترتديها النساء أيضا أستخدم الدبس
كبديل عن السكر بعد مزجه بكميه من الطحين ليتحول
الى بلورات بعد تجفيفه
ولا يفوتنا ان نذكر هنا أنه تم أجراء أحصاء لسكان مدينة الناصريه
لغرض تحديد كميات المواد واعداد المشموليين بالتموين فظهر ان
عدد سكان الناصرية 12 مليون نسمة
مما جعل الخبير الانكليزي بحالة من العصبيه والهستيريه واتهامه الناس
والمختارين بالتطؤا لزيادة النفوس لكي
تزداد الحصص فقام بالغاء الاحصاء واكتفى بجرد عام للعوائل
دمتم بالف خير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق