الجمعة، 9 أغسطس 2019

متعة القراءة ... متعة الكتابة هل عشتها؟


قد لايدرك المرء قيمة الشيء اللصيق بحياته ،الا أذا حرم منه
ولا يعرف المرء عمق المتعة بالقراءة ، الا اذا حرم منها ولو
ساعة ، او بعض الساعة ، كمن يتضور جوعاً فيتحرق الى اي
طعام ، مهما يكن . ولـــكن من الظلم ان نعمم امر القراءة هذا  ،
هناك الكثيرون  ممن ليس للكتاب دور في حياتهم ، فلا يخشون 
الحرمان منه ،لأن القــراءة  لاتعطيهم تلــك المتعة  التي تشفي 
الغليل وتثيره معاً ، أشبه بمتعة  ادمان هو حقاً  ..أدمـــان  حلال 
هؤلاء الناس قد يكونون راضين عن انفسهم  وعن غفلتهم الفكرية
غير اني اعجب لامرهم ، وأحزن لهم : أعجب لأمرهم حين اجد
ان سنوات الدراسة الطويلة لم تفلح في زرع هذه الشهوة النبيلة
فـــي انفسـهم ، وأحـزن لهم لأنـهم يعيشون وهم في عوز ذهني 
وعاطفي قد لايعونه ، ولكنه يفقر حياتهم ويجردهم من لذة اساسية
من لذات البقاء -  كمن حرم من معرفة الحب ، وعميت عيناه من 
مــرأى الجمــال  ، فاللأنسان قدرة مذهلة  على ان يقتات  على 
احشائه ، على ان يجعل تواصله الفكري مع الحياة بينه وبين نفسه 
فقط . مكتفياً بتأمله في ذاته الواحدة ضمن نطاق من التجربة
اليومية لايتسع لتجارب الاخرين ، فيما عدى مايسمع عنها من 
احاديث ، أويرى منها من خلال  وسائل الترفيه  والتسلية . أنه
البقاء في حده الادنى . وهو فيما يبدو البقاء الاشبع ، وياللاسف ، 
رغم انتشار التعليم  وتيسر وسائل القراءة ,, أما التواصل مع الحياة
بكل طاقاتها  واشكالها واشخاصها ، الذي يتم عن طريق قراءة الكتاب 
فيبدو  انه يلقى شأنا خاصا من شؤون  تلك القلة التي تجد  في القراءة
هــذه المتعـة الغامـضة ، هــذه المتعة الكبـــرى  التي وهبها الله  نعمة 
للانسان منذ ان قال له :  ((أقرأ )) هذه المتعة  التي لابد انها كانت في
احد اشكالها ، الدافع الاهم  لاولئك الذين اخترعوا  الكتابة  على الطين
لكي يقرأوا  ما  يكتبون ، ومن ابسط الكلمات التي نقشوها  في الطين 
استمروا الى  مايجعل  من الكلمات  صورا  وافكارا  وعواطف .وقد
وضعوها  في صيغ من التناغم  والايقاع  تجعلهم يريدون العودة اليها 
مرة بعد مرة ، ولايكتفون  ..مما يقودني الى الحديث عن الكتابة نفسها
عـن متـعة الكتابة ، تلـك العمليـة السحرية ،التي تسـتثيرها حمى العقل 
والعصب . فيجد المرء اندفاعاً في مقارعتها ، مسـحورا ومتغلبـا على 
السحر في أن .ولأعترف قبل المضي الى ابعد : انني اتحدث هنا عن
شيء شخصي صرف , فأنا عندما أحرم من القراءة  لانشغالي  بواجب
متواصل ن أو بسفر لايتيح لي ساعتين من  معاً من الانفراد بنفسي في
اثناء يقضتي ، أبقى  في شوق لجوع يغالبني ، منتظراً ساعة اللقاء  التي
لاتجيء ، وأجدني اخاتل ، واتحايل على الشغل والواجب ، لعلني اختلس
المتعة ولو لحظات مع هذه الصفحات التي تتحرق الى اصابعي كما تتحرق
اصابعي اليها .وهكذا فانني كلما حرمت من القراءة لأيما سبب ،ادركت
كم عظيمة وملحاحة هي هذه المتعة  التي سأنصرف اليها بملء جوارحي
حالما يكون وقتي ملكي انا ، فأستطيع الانغمار في الكتاب وقد تغافلت 
اخيراً عن كل قلق ، وتناسيت كل جهد  اخر تطالبني به شؤون العيش 
وليس اكبر من متعة القراءة هذه ، الا متعة الكتابة ، تلك المتعة الاعظم 
، والاعمق ، والاندر .فالكتابة ، أذا ما تخلت عن تمنعها وانصاعت للقلم ، 
هي تلك الحورية الرائعة ، الذاهبة بالنفس في طرقات الجنة ودركات 
الجحيم ، متعة ولا كأية متعة اخرى يعرفها الجسد  : فهي وجّد صوفي 
وهي عذاب  عذب ، وهي وعد يتراكض على السطور مرة ، ويتعثر 
عليها مرات ، وعد برؤية ما  لا تراه  العين ، وعد باتصال الذات باروع
مافي الكون من فرح ، وعشق ، وحزن وغضب ، حيث حيوات الافراد
تتجسد  في  الخيال ، وتنتفض ، وتتدافع ، وتستكين  وكأن الحياة 
الواحدة  قد  ضربت بالف  . فاذا كنت اعجب واحزن لمن لايعرف متعة
القراءة ، فأنني اشعر ان الكتابة شأنها شأن أخــر ، لايشبه القراءة ولكنه
يصب في النهاية فيها . فالمبتلى بعشق الكتابة  كمن ابتلى  بجوع جحيمي
بشبق لاهث وراء سراب .  ولكنها اذا ماتحققت ، فهي الوليمة  التي دونها
كل الولائم - وليمة الخلق والخيال ، وليمة الحس والعقل ، وليمة الوحي 
والنشوة ، ولايخرج المرء منها  الا مضطراً ، وكأنه يخرج من عوالم 
الوهج والاثارة والمستحيل ، ليعود الى عالم عادي جدا، يبحث فيه عن 
السحر  الذي يلقاه  على اشده الى حين تعاوده  حمى الكتابة . وتستبد به
بعذابــها ، وعـــذوبتــها ، من جـــديــــد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق