الأحد، 4 أغسطس 2019

((ليت الاميرة تستطيع غير ذلك ))


الناس يشقون طريقهم في الحياة كما يشاؤون ....وربما كما 

تشاء الاقدار
ولكن بعضاً منهم يجد نهر الحياة امامه  جارياً فيرتمي فيه  ويظل طافياً
يمضي  مع التيار  حتى يّلقّيه في النهاية  بالمحيط الكبير وينتهي كل شيء
أبــناء الاباطرة  والسلاطين والملوك  من هذا البعض . فما أن يولد  طفل 
في قصر من قـصورهـم الباذخة حتـى يتأرجـح البلاط  ويهتز  مثل سفينة 
وسط الامواج . النساء   والرجال .. الموظفون  والخدم  والجواري يئزون
جميــعاً مثل عــاصفة  من النـــحل  لاســـتقبال  الأمـــير الجديد 
حين يفتح هذا عينيه جيداً  بعد سنوات  يجد أن هؤلاء  قد رسموا خارطة 
حياته كاملة ووضعوها  أمـامـه ، ومــا  عليه الا تتبع السهم والجري خلفه 
الى النهاية .. و((عُليَّة بنت المهدي )) حين فتحت عينيها عام (160) هـ وجدت
أميــرة  في البلاط العباسي  وعرفت أن العالم  كله ذلك الزمان يدير وجهه 
لكي يرى بغداد ... وبغداد كلها تلوي رقبتها لكي  تعرف ماالذي يدور  في 
قصور الامراء . الاميرة الصغيرة ((عُليَة ) عاشت سنواتها الاولى بحضن 
امها ((مكنونة )) فكانت  تغفوا كل مساء على صوتها الساحر  وهي تهدهدها
لتنام  فترحل مع الصوت  بعيداً في الاحلام ، وكانت أمها تخفض من صوتها
لكي لاتسمعها الجواري  فيخبرن الخليفة بأن جاريته ((مكنونة )) قد عادت 
ثانــية للغناء . وذات مساء جلست ((عُليَة ))في أحدى شرفات القصر المطلة
عـلى دجلة وعـينـاها تحـلقان بعـيداً فـي المـياه الزرقاء  وفي حـدائق الكـروم 
والبساتين المحيطة بالقصر ، وفجأة نبع من اعماقها  بوّحّ حزين  ساحر لم 
تستطع خنقه  وكتمانه ، وأرتفع الصوت  قليلاً...قليلاً ، حتى وصل الشرفات
الاخرى وحجرات القصر ، فهب الجواري والخدم حافيات ، مسحورات كأنهن 
في حلم أســر ، ولما أقتربن من باب الأميرة  جلسن بهدوء وحذر خوف ان 
تكتشف جمعهن وتكف عن الغناء . وحين سمع الخليفة الرشيد  أن أخته عُليّة
تغني في القصر وتجمع حولها الخدم والجواري  أصيب بالهلع والذعر ،ولكنه
ما  أن سمع صوتها  ذات يوم حتى  خمدت ثورته وأستكان .  وقيل أنه كان 
بعد ذلك يطلب منها ان تغني  له فتستجيب ، فتكتب القصيدة  وتضع اللحن  ثم 
تشرع بالغناء  في نفس الليلة حتى تُسمع الرشيد شيئأص لم يسمعه  أحد قبله
وهكذا أستكان البلاط العباسي كله بقوته وسلطته  وجبروته  فأذعن للصوت 
الانساني الحالم  ، الشفيف ، واستكانت الاميرة ((عُليَّة بنت المهدي ))نفسها 
فلم تستطع  ان تضع كفها  على فمها فتمنع  هذا النبع الدافيء  الحزين  فاذعنت
هي الاخرى  لنداء الوجد  الغامض  وهي تعلم ان الغناء لايليق باميرة مثلها 
من اميرات البلاط وسيداته  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق