الاثنين، 13 مايو 2019

الروائح والعطور-كيف نشأت - تاثيرها -تاريخها

الروائح والعطور

في ذكرى الاشياء القديمة كتب مارسيل بريقول ( عندما لايبقى شيء من
الماضي السحيق بعد أن يموت الناس يبقى الذوق ، والرائحة  ) تكرس
الكتب وخصوصا تلك التي تتناول علم النفس صفحات قليلة تتطرق فيها
الى أهمية حاسة الشم .  وقد يرجع البعض الى أن هذه الحاسة لم تعد تعني
الشيء الكثير بالنسبة للبشر المتحضر . وأن قيمتها الاساسيه كانت في العصور
المندثرة "وأنها قد تضاءلت منذ أن بدء الانسان يسير على قدميه وينظر حوله
وهو منتصب القامة . ولكن غوردن شيبرد ، عالم الاعصاب في جامعة يل
يغاير هذا البعض مؤكدا ً على أن الناس كثيراً مايبخسون حاسة الشم عندهم
فيقول : (( أننا نعتقد أن حياتنا تحكمها حاسة الرؤية ، ولكن كلما أقتربنا من
الطعام ، ادركنا كم أن لذتنا الحقيقية في الحياة مرتبطة بحاسة الشم ، أنها
تطرق ابواب عواطفنا وترتب نماذج سلوكنا فتجعل الحياة بهيجة أو مقرفة )و
لاشك ان جميع الفوارق للنكهة - تلك التي تميز انواع الطعام عن بعضها -تاتي
بالدرجة ألاساس عن طريق شم الروائح اثناء الشرب او تناول الاطعمه
اما مناطق التذوق في اللسان والفم فلا يتجاوز عملها تحديد المالح من الحلو
والمر والحامض ... ,اذا ما أغلق الانسان أنفه فسيجد بلاشك صعوبة في التعرف
على قطعة الطعام الموجودة في فمه فيما أذا كانت شريحة بطاطا نيئة أم تفاحا
ولايقتصر أثرالروائح على  الطعام  بل يمتد ليشمل جميع حياتنا العاطفيه ، فالروائح
تتغلغل الى اعمق الكهوف في عقولنا . أنها تحرضنا ، وتثيرنا ،وتخيفنا ،
وتنبهنا ،وكثيراً ماتختفي تأثيراتها وراء فكرة الخجل . فقد يعلن رجل لأمرأة
غريبة اعجابه بعطرها ، ولكنه لايستطيع حقيقة أن يكشف لها ألى أي مدى
تثير رائحتها الطبيعية مشاعره بسبب السلوك العام والتأدب . ومانفتقر اليه
ليس حاسة شم قوية بل الشجاعة للتحدث عن الرائحة التي توحي بالالفة والدفء
وهنا ستبرز مشكلة افتقارنا الى المفردات الدقيقة لوصف أنواع الروائح لذلك
سنلجأ الى التشبيه والاستعارة فنقول مثلا ( أن هذه الرائحة تشبه رائحة الخيار
او أن لعطر البلسم رائحة أعياد الميلاد ) ولعل السبب في هذا يرجع الى أن
معظم اللغات في العالم تخاطب الاذن والعين . والروائح بشكل عام ليست
كالصور أو أو الموسيقى أنها تفتقر الى السمات الواضحة لذلك غالبا مانفشل
في تمييز اقرب الروائح المألوفة لدينا

أثـــــــر الروائــــح عــــــلى الســـلوك

من الصعوبة أن تختار بين تحمل الالم الشديد وبين تحمل رائحة كريهة ، فقد
تفرغ رائحة فأر ميت مسرحا بنفس السرعة التي يحدثا جرس انذار الحريق
وتميز النساء الروائح افضل من الرجال وربما يعود السبب الى اهتمامهن
 الاكبر بالروائح . فبالاضافة الى العطور هنالك المطبخ بما فيه من روائح مختلفة

أما الاطفال فيشمون ويتذوقون الاشياء بشكل جيد على نقيض المسنين من
الناس الذين تضعف حواس شمهم مع تقدم العمر وقد ينفر الانسان من نوع
معين الطعام بسبب مرض يلم به بعد تناوله ولا يعود أليه أبدا بسبب ذكرى
الرائحة ... وتربط الروائح بين الامهات واطفالهن حديثي الولادة ، وقد
تستطيع الام تمييز ابنها من رائحته ، وتميز صغار الفئران أمهاتهن من
رائحة الثدي واذا ماغسل الثدي وازيلت رائحته فأن الصغار ضائعة لامحالة
وتسمى الروائح التي تحدث تغيرات سلوكية او سايكلوجيه بين نفس الفصيلة
كالخوف عند سمك السلور والهيجان الجنسي عند الثور بالفيرمونات ، وليس
هنالك تأثير أكبرتحدثه هذه الروائح من التأثير الذي تحدثه بين النحل، والزنابير، والنمل 


الروائـــــــح مـــــــاهـــــي  ؟

الروائح جزيئات متطايرة تعوم في الهواء يتنشقها الانسان فتندفع عبر منخري
الانف فوق نسيج اسفنجي يدفيء ويرطب الهواء ، ومنه الى تجويفين ضيقين
فتصل تماما تحت الدماغ وراء قصبة الانف ، الى زوج من قطع الجلد السابحة
بمادة مخاطية وهنا ومن خلال عملية مازالت غامضه ترتبط الجزيئات باعضاء
حسية للاستقبال توجد على اهداب صغيرة تشبه الشعر في اعصاب حاسة الشم
فتقوم الاخيرة بدورها بنقل الرسالة الى الدماغ . ومن الجدير بالذكر هنا أن
الاعصاب الخاصة بالاذن معزولة عن العالم الخارجي بطبلة الاذن كذلك
اعصاب العين بالقرنية ولكن مستقبلات حاسة الشم  تختلف عن ذلك لانها
 مكشوفة للبيئة الخارجية ومعوضة لاي طاريء كيمياوي قد يصل مباشرة
الى الدماغ وهي لا تشابه خلايا الجسم العصبية الاخرى لانها تجدد نفسها
باستمرار في الوقت الذي لايتجدد فيه اعصاب العين او الاذن . وهذا مايبرز
الاهمية الكبرى لحاسة الشم لان الطبيعة لاتحدث شيئا عبئا ، كما يؤكد الدكتور
باسكويل غرازيادي حينما يقول بأن الدماغ يعتمد الى حد ما في تطوره على الانف

الـــــــــــرائــــــــحة وتعقب الاثـــــــــر

الحيوانات وخصوصا الكلاب المدربة تستطيع شم اشياء كثيرة لاحصر لها تمتد
من المخدرات الى القنابل الى حشرة الارضة الى خامات الحديد ، ولا يزال
العلماء يجهلون كيفية تفريق هذه الحيوانات بين أثر وأخر بسبب كثرة الروائح
المنبعثة عادة من الاشياء كجلد الحذاء والقماش والكولونيا والعرق الذي يحمل
رسائل كيمياوية مثل الخوف بالاضافة الى القشور المجهرية للجلد الميت التي
تلقيها الاجسام بشكل مستمر تاركة ورائها نثاراً ذا رائحة خاصة . وفي معظم
الاحيان تميل الكلاب الى تعقب الرائحة ورؤسها مرفوعة الى الاعلى ويعتقد
معظم الخبراء ان الكلاب تواجه مشكلة في تعقب الاثر بعد مضي ساعات قليلة
على حدوثه ، ويرجع السبب في ذلك الا ان الشمس والحرارة سرعان مايشتتان
الاثر اما الصقيع فيحافظ عليه وتعتبر الظروف الباردة والرطبة نموذجيه لتعقبه

عــــــرف الـــــــقـــــــدماء  الــــــروائــــــــح

بدأ التعرف على الروائح يأخذ شكلا متميزا مع الحضارات القديمة عندما كان
المصريون يحرقون المواد الصمغية لبعض النباتات الصحراوية مثل - المر -
ليستمتعوا بروائحها الشذية . كما أعتاد الفراعنة على حرق البخور لارضاء
الالهة كما تبين الرسوم  المنقوشة على جدران معبد الكرنك . وقد استخدم
المصريون التوابل قبل 4500 سنة في عمليات التحنيط واعتقدوا أن الروائح
الكريهة تسبب الامراض بينما تبعدها الروائح العطرة . أما الرومانيون الاغنياء
منهم على الاقل فقد كانوا ينامون على وسائد محشوة بالزعفران ، وبعد أن
أقتبسوا صناعة العطور من المصريين بدأءو يضعون زيت الورد مع ماء 
 الاستحمام ويقال أن بوبايا ، زوجة نيرون كانت تفضل الاستحمام بالحليب
الممزوج بزيت الورد . وقد أعتمد الرومانيون على شذى العطور في رفع
معنوياتهم وبث السعادة في أنفسهم ، وغالبا ماكانوا يطلقون داخل الغرف
حَمام ابيض بعد تعطير اجنحته لينشر في الاجواء وفوق رؤوس الضيوف روائح زكية


الــــــــرجل الانـــــــف

كانت بداية صناعة العطر بسيطة وبدائية لكنها نمت مع الايام حتى اصبحت
العطور ذات تراكيب وانواع معقدة لامجال لذكرها هنا الا ان بعضها ارتبط
ببعض البيوت القديمة المتخصصة في صناعة العطور وصانعو العطور
  فنانون متخصصون يعتمدون على التدريب المتواصل في خلق الانوف
الحساسة . وعن عمليات التدريب يقول برنارد شانت صانع العطور في
مدينة نيويورك ، نستخدم في صناعتنا الاف المقومات الاساسية للروائح
وعلى المتدرب الحديث أيجاد طريقة لتذكرها جميعا عن طريق مقارنة
الروائح المنبعثة منها وقد يقضي الشخص حياته كلها وهو يتعلم كيف ان
كل مقوم اساسي للرائحة تتغير خصوصيته اذا ما اخرج من مقوم أخر   
ومن الناس من يطلق عليه لقب (( الانف )) وهذا طراز من الاشخاص
المتميزين بحاسة شم قوية ومدربة ، وهم غالبا مايكونون على قدركبير
من القابلية في تميز الروائح عن بعضها والقضل  يعود في ذلك بالاضافة
الى التدريب امتلاكهم عدد اكبر من المستقبلات في حاسة الشم فقد يمتلك
الواحد منهم بحدود مئتي مليون مستقبل اي عشرين ضعفا اكثر من الشخص الاعتيادي


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق