Salvador Dali سلفادور دالي
منذ وفاة زوجته وملهمته (غالا) كان دالي ينبذ الحياة . ويرفضها
وقد كنا قبل وفاتها نسمع صوته الاجش يردد ( لن أموت .. لن أموت ) حتى
كدنا نصدق أن دالي ( أزلــــــي ) فعلا .. ولـــكن . بعد موت ملهمته
العام 1982 يبدو كان القدر لم يمهل العجوز الكبير طويلا ، ففي 30 أب
العام 1984 أصيب بحروق في غرفته عندما اندلعت فيها النيران فـــي
قصر ( بابول ) فأدخل المستشفى لمعالجة اصاباته البليغة . ومنذ ذلك
الوقت كثرت زياراته للمستشفيات في ( فيجوراس ) و ( برشلونة ) أو
طلب نقله الى هناك العام 1984 ، لا(توريه غالاتيا ) حيث طلب نقله
الى هناك العام 1984 ، في هذا البرج المجاور لمتحفه المسرحي ، كان
دالي يُغذى بأنبوب بلاستيكي أدخل في أحد منخريه حتى معدته ، الا أن
صحوته كانت كاملة لم تشبها شائبة ، حتى ان موضوع اعادة الجدل
حول( نظرية الجاذبية ) ، التي كثر الحديث عنه في حينه ، قد أثر فيه
كثيرا . وبصوت أشبه مايكون بتشنجات البلعوم طلب ((دالي (( الاستزادة
في معرفة الموضوع
أن رغبته في المكوث وحيدا كان حاسما وظل يؤكده . فلم يدخل غرفته
ذات الســتائر المغلقة بأحـكام ســوى صديقه وكاتــم أسراره الفنان
الكتلاني ( أنتوني بيتكوس ) الذي ظل يزوره يوميا ليقرأ له بعد القيلولة
مقتطفات من الصحف العالمية ، كما كان يزوره ( روبرت ديشارن)صديقه
الوفي منذ الخمسينات . كان دالي يرفض الوقوف ، ولم يكن يترك فراشه
الا بمساعدة مساعده الوفي ( أرتيرو ) الذي عمل عنده منذ العام 1948 زار
متحفه المسرحي مايقرب من اربعمائة الف شخص منذ افتتاحه . لكن دالي
مكث أيامه الاخيرة في غرفته العارية الملاصقة لمتحفه وكأنه ملك بدون
تاج . وفجأة خيم سكون المدافن على ( تورية لاغالاتييا) في تموز
العام 1986 . حيث أدخل (دالي ) المستشفى في ( برشلونه ) ووضع له
الاطباء جهازأ لتنظيم ضربات القلب وضخ الدم ، وما أن أخرج منها حتى
أدخل أليها ثانية ... وبعدها بعشرة أيام أزدادت حالته سوءاً، وظل ينقل من
والى المستشفى حتى وفاه الاجل في مستشفى في ( فيجوراس ) فـــــي
أيامه العشرة الاخيرة ظلت حالته الصحية تنتعش ولكنها لاتلبث أن تخبو
ثانية ... كان (دالي) فيها يردد وبرتابة :- (اريد أن أعيش) وكان لساعات
طوال أثناء الليل يبقى ساكنا فاتحا عينيه . وكان بهو المستشفى الذي يرقد فيه
مليئأ بالصحفيين الذين جاءوا من مختلف أنحاء العالم ، يتابعون التقارير
الصحية للفنان الكبير .. ((شبه واع )).. ((انه يتدهور)) فقد وعيه !! وفي
صباح يوم الجمعه صرح صديقه ( ديشارن ) ان ((دالي)) طلب سماع لحنه
المفضل . وفي اليوم التالي صرح الاطباء أنهم لن يطيلوا من عمر الرجل
بشكل أصطناعي ... كانت هذه الكلمات الصارمة تدل على أنه لم يعد للفنان
الكبير سوى ساعات قليلة .. هذا الرجل الذي أراد أن ((يصمد )) حتى يبلغ
التسعين من عمره (( ليفعل أحسن من بيكاسو )) كما قال .. الا ان المنية عاجلته
ووافاه الاجل وهو في الرابعة والثمانين من عمره دون ان يرى (كداكيس) و
هي مدينته الحبيبه
رحل هذا الرجل ألذي كان يضحك جميع المتفرجين في قاعات العرض.. ويسرد
رؤاه الوهمية التخيلية وهلوساته الفنطازية ... ماكان يزعج معجبيه هو : شخصية
، وما كان يزعج كارهيه .. رسمه ... ولكن بغض النظر عن العجرفة والغطرسة
والمغالات والمبالغة ، علينا أن ننظر الى لوحاته ، فهي تخفي كما كان يقول ( كنوز
باهرة بأصالتها لم تكتشف بعد ) ،،
المستفز - المحرض
كان مزاح دالي وتهريجه ومناداته الراعدة وعيناه الفاحصتان المخيفتان وضربات
عصاه التي يطلقها في الهواء وكأنها ضربات سياط ، وشاربيه الغريبان .. كلها
تثير الضحك والاستغراب
في عام 1921 كان دالي قد بلغ السابعة عشر من عمره واراد دخول معهد الفنون
الجميلة في مدريد .. أعاد بؤاب المعهد الرسم الذي تقدم به دالي للاشترك في
مسابقة الدخول الى المعهد الى والده ، وطلب اليه أن يعيد دالي رسمه بسبب صغر
حجمه ... أطاع ((دالي )) الامر ،ولكن ما أن كرر الرسم حتى تبين أنه أصغر من
سابقه .. كرر ((دالي)) العملية عدة مرات بسبب فشله ... وتحول قلق أبيه ،
خوفا من فشل أبنه وعدم قبوله في المعهد ، الى غضب عارم ... فلازمت دالي فكرة
خلق فنان يرضي به والده طوال حياته ، واصبحت هدفه الاساسي
أما أساتذته في معهد الفنون الجميلة ، فكانوا متفقين على أنه ضعيف الشخصية حيث
أجمعواعلى القول _ أنه جدي قطعا ومتمكن الى حد كبير وباستطاعته النجاح في مسعاه
الا أنه جامد كالحجاره
كان لقاء دالي مع السرياليين ذا تاثير بالغ عليه : (بريتون ) و (فرويد ) ، يتحدثون
عن الوحوش التي تسكن خبايا العقل الباطن الغامضه ... فيعرضها (دالي) بكل وضوح
في أعماقه ، وهو لايفرض عليها سوى جو الحلم المعقد بتفاصيله الدقيقه غير المعقولة
اضافة الى كل ماتبين في الحلم من ظاهر مرئي ومتباين ... فقد كان يقول :- (( يتمركز
كل طموحي على تجسيد صور اللامعقولية الحسية المادية الملموسة بأكبر قدر ممكن من
الدقة والتأني ) لم يكن دالي جريئا في استخدام الفرشاة كما كان الامر بالنسبة لفنانين
اخرين بدءاً من (فرانس هاك )حتى (مانيه ) لانه كان ، في الواقع يتقن حرفيا عمله الفني
ولكي تكون اعماله ( أصيلة بشكل يعمي البصر) كما كان يقول ، فأن اشياءه الذهنية يفترض
أن توصف بلغة تقليدية . ولم يدع أعتباطاً أنه ( فرمير) أو ( رفائيل ) عصره
المفارقة الرائعة هي ان اعمال دالي ظلت محض خيال ، حتى انه لم يعد من الممكن تخيل
أكثر مما موجود في اللوحة . في عام 1929 التقى دالي بــ (غالا) ملهمة السرياليين
ومنذ ذلك اليوم أصبحت ملهمة لواحد منهم فقط هو ((دالي)) نفسه . وعنها يقول (( لقد
شفتني من جميع مخاوفي ، ولولاها لما أصبحت دالي )) تٌرى هل شفته (غالا) من وساوسه
أكثر مما يجب ؟ يمكن اثارة هذا السؤال ومناقشته بجدية لأن أعمال دالي بدأت تفقد سحرها
وجاذبيتها شيئا فشيئاً ... عند أندلاع الحرب ، قرر الزوجان الهجرة الى الولايات المتحدة
وخلال رحلته البحرية عانى ( دالي ) كثيرا ليحمي تمثال يمثل فتاة تحمل ( صمونة) على
رأسها طولها متر ونصف ، من الجرذان والصراصر ، حيث كان يأمل أن يبهر من خلاله
المشاهدين هناك . وعند وصوله نيويورك تهافت الصحفيون متسائلين عن كل شيء الا
أمرأة شابة متحمــــسة للفنون والاداب اسمها.... ( كاريس كروزي ) باقامة دعوة
عشاء ( سوداء ) على شرفهم ، اي أن يكون كل شيء أسود ، بدءأً من فوطة المائدة
والخزف الى ما يقدم من مأكل ومشرب ، أضافة الى أن تكون الاضاءة بنفسجية
غامضة ... بعد ذلك بقليل قرر متحف الفن الحديث ان يصمم معرضا استعاديا لاعمال
دالي الذي كان في ذلك الوقت ، يصمم المجوهرات و ( ديكورات ) مسارح الباليه
ويرسم اللوحات وفي تلك المرحلة جاءته فكرة تصميم اريكة ، أصبحت أشهر أريكة في
القرن العشرين وقد غلفت بالحرير الاحمر ، شكلها يشبه فم وشفاه الممثلة الامريكية
الشهيرة ( ماي ويست ) كان أنتاج دالي بعد الحرب هائلا ويجسد بعض المواضيع المحددة
المهمة : كالفضاء ، والزمن ، والقنبلة الذرية ... وكان يقول (( كل مانخشاه هو ان يتعرض
اليه المرء من خلال القنبلة الذرية هو التحول من حالة الانسان الى الحالة الملائكيه ))وكان
يقول (( لاتخافوا الكمال فلن تصلوا اليه ابداً)) اما السياسة فقد اجاب دالي ذات مرة عن
سؤال احد الصحفيين : عما أذا كان الملك ( خوان كارلوس ) ذكيا قائلا ، (( أنه بالتأكيد
أكثر ذكاء منك ! وأكثر جمال منك ! ومن عائلة أكثر حماقة من عائلتك
وعن المرأة ( غالا ، بالتاكيد ) كان يقول :( أنها تزداد جمالا كلما اكلت حبة عنب جديده ) حيث
أستمر (دالي ) برسم زوجته (غالا) بأذعان ، وخضوع . كان يحقق، ويرسم نفسه ، أعمالا
مفرطة الحيوية ، الا أن مسيرته الفنية أتبعت خطاً تصاعدياً على الدوام ، حد التكريس
حتى أن ( دالي ) كاد يختنق بهجة وسعادة ، فقد حاز وهو على قيد الحياة على ( متحفه
ألخاص ) وعن ذلك قال معلقاً :( أني استحق أن يقام لي متحف ... الست افضل مــن
سيزان ) الذي ظل طوال حياته يحاول ان يرسم تفاحات مدورة ولم ينجح ؟ فكل مارسمه
هو تفاحات محدبة ! اليست تلك مأسأة حقيقية ؟
لقد تحول التحرر في كل ماهو خيالي هدفا بحد ذاته ، وترك ( دالي) لوحات جميلة ، عصية
على الفهم ... ولكن عندما نتأملها نشعر وكأننا على كوكب دالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق