السبت، 19 أكتوبر 2019

البكاء "أشفاق وعرفان "



يقال أن دوافع البكاء  تنحصر في نقطتين رئيسيتين : الاشفاق على الذات 
والعرفان في الجميل . بالنسبة للنقطة الاولى سنعود الى عبارة  جون دونز
المعروفة ( لاتسأل لمن تُقرع الأجراس) ، أننا نحزن على فنائنا 
والثانية  البكاء المرح وهو بكاء عرفان الجميل : وعرفان الجميل  يكون
لشيء قد يكون جميلا للغاية في هذه الحياة ، وهذا هو السبب الذي من أجله 
نبكي لدى مشاهدة الأعمال البطويلة  والانتصارات ، أو الاحتفالات الحماسية
وان كانت لاتضاهي تقديرنا لعرفان الجميل تجاه شخص رفعنا عن الحضيض
أو شخص آمن وقدّم ايمانه لنا 
ولم تتغير الناس في عصرنا الحاضر ، فهم غير قادرين وفقا للتقاليد التي نشأوا
عليها على اظهار ضعفهم أياً كانت العوامل التي تتصارع في نفوسهم . وهذا
التوتر الداخلي هو أحد الأسباب التي تساهم في اصابة الانسان بأمراض ارتفاع
ضغط الدم والانسداد التاجي  وغيرها . أن عدداً من المرضى تعوّد أن يكبح 
ليس فقط دموعه بل جميع مشاعره الأخرى . ولكنهم حين يكتشفون بأنهم 
يتقاسمون مع الاخرين انسانية مشتركة تثير اهتماما  مشتركا ينتج الدموع 
المكبوتة التي تبدأ بالتدفق من المآقي . وهكذا فأن أموراً عديدة تحرّك مشاعرنا
وتدفعنا للبكاء  . فنبكي عند سماع الاناشيد العسكرية ونبكي عندما نسمع بأفعال
نبيلة . ونذرف دمعاً للتعبير عن عرفان الجميل الأبدي  عندما يبلغ الانسان في
النهاية كوكبا بعيد المنال ..واذا وجد في الحياة العقلية عنصران متعارضان 
فقد يترتب على هذا التعارض  كبت أحد هذين العنصرين .فأذا كان لديّ ميعاد
لا بد أن أحافظ عليه . لكن أذا كان هذا الميعاد مع شخص أتضايق من مقابلته 
كثيرا مايحدث أن يُنسى هذا الميعاد . عملية فصل هذه الفكرة من الشعور الى
اللاشعور تتم عادة بطريقة لاشعورية ،بدون قصد . لذلك يكون الشخص في
الغالب مخلصا عند اعتذاره بالنسيان لكن الطرف الآخر وان قبل الاعتذار 
ظاهريا، الا أنه لايقبله بينه وبين نفسه  قبولاً كاملاً على الاقل ، لابد لنا أن نفرق
بين نوعين من النسيان : أحدهما النسيان بالترك  وهذا يحدث بالتدريج ، كما 
يحدث في نسيان كثير من المعلومات . أمــا الثاني فهو النسيان بالكبت وهذا 
يحدث بسرعة كبيرة وبطريقة فجائية ، لكن هناك قضية : التعبير عنها لاينفع 
معه الكبت ولا النسيان ، كثيرا مايعبر عنها بالبكاء فما هي ؟
 يتعامل صاحبها مع الغير  ومع الحياة ( emotional) الشخصية العاطفية 
بشكل عام بعاطفته أكثر مما يتعامل بعقله ، في حالة التضارب بينهما فأنه  يغلب
حكم العاطفة على العقل ، لذلك فأن أقواله وأفعاله تتسم بالمزاجية والاندفاع 
صاحب الشخصية العاطفية شديد الحساسية . مرهف الشعور لما يجري حوله
يحمّل نفسه مجالا اوسع من التحسس بموقعه الحياتي  وعلاقته مع الناس والمحيط
لهذا فأن انفعالاته العاطفية لاتنحصر في القضايا الشخصية بل تمتد الى القضايا 
 .العامة والانسانية بشكل عام  : منها قضية الامام الحسين عليه السلام البكاء نعمة
نفسية ذلك عندما يكون متنفسا لكثير من الضغوط التي تذوب في الدموع  تنزل 
بحرقة على فرصنا الضائعة وأحبتنا الذين غادروا الى الاخرة ، على مصيرنا  
المجهول وسط تلاطم الأمواج الحياتية المختلفة . لكن البكاء على الامام الحسين
هو قضية التـــواصل مع الاسلام ديناً ودنـيـا
وهو يطهّر دواخلنا من الامراض والعُقد
فالحسين عِبــرة وعـَـبرة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق