فارقته عشرين عاماً ثم لقيته فأذا به هو هو ! أمتلأ جسده شحماً ولحماً
ولكنه ظل على ماكان عليه . لم يزد في علمه شيئاً ولا أتسع أفق معرفته
فهو لم يزل ضمن الحيز الضيق الذي كان حبيس اطاره رغم ان عمره
زاد بمقدار عشرين من السنوات ! ترى الم يقرأ كتاباً ولاسمع ملحنة
ولم يطلع على رسم ؟ كيف قضى تلك السنوات العشرين خاضعاً لتلك
الافكار التي كـان يلوكها فـي ذهـنه قبـل ان يكــلـل الشـيب رأسـه ؟
كيـف تسنـى للانسان ان يبقى هكذا خارج نـطاق الزمان والمكان ؟
نعم ، قد يـكون ازداد خبرة في التعامل مع السوق وشؤون الحياة العامة
وبأساليب الربح والخسارة ، لكنه مازال يجهل الفرق بين الضاد والظاء
وبين كوته وكويتيه ويخلط بين نجيب الريحاني وابي الريحان البيروني
ايــجمل بالمخلوق الواعي الناطق الذي هو الانسان ان يضع نفسه بمنأى
عن القيم الثقافية والفكرية ، مع انها لاتنقطع عن فرض نفسها عليه
شـاء ام ابى ، في جريدة او مجلة او خلال مذياع او شاشة تلفزيون؟
حتى الصغار عرفوا ان دانيل ديغو هو مؤلف رواية - روبسن كرزو
وان ريمسكي كورساكوف هو ملحن قصيدة -شهرزاد-السمفونية وان كويا
هو الذي رسم لوحة ((المايكا)) ، أما هو ، رغم ادعاءاته العريضة وتبجحاته
التي لانهاية لها وتكراره القول : انا ،أنا - فما زال بعيدا عن هذه الشؤون
كأنه أبن كوكب أخــر ، أنــــا لا أشير الى المواطن الذي تستغرقه
شؤون الكدح اليومي ولا الى ربة البيت المنهكة بمتاعبها اللانهائية
ولكن شخصاً له تناس يكاد يكون يومياً بعالم الصحافة والنشر على نحوهما
غير مغفور له الا يضيف الى حصيلته الثقافية ولو بعض الخطوط العامة
والمعالم البينة التي لا استطيع ان افهم كيف لكون الحياة غنية خصبه بدونها
ان من الميسور لصاحبنا ان يعرف خير الاساليب لاقتناص الدينار والسعي
اللاهث وراء السلعة التي يمكن ان يكسب ببيعها ثانية ربحاً اكبر ولكن
للثقافة حقها على الانسان ، فهي ليست نوافل يمكن تجاوزها والاستغناء
عنها ، وهي جزء مكمل لشخصية المواطن ليس بمقدوره الحفاظ على حقوقه
وواجباته بدونها ، ومن حق المواطنة الواعية ان يكون لصاحبها حد ادنى
على الاقل من المعرفة مهما قل كمها ، تكون معواناً له في ادراك المعنى
الحقيقي للاشياء واضفاء لون الحياة ، بدونه تكون داكنة مجدبه معتمه
أن صاحبنا - وهو ليس شخصاً بالذات - وهو كائن بلا اسم ولا هوية
لايحق له الانخراط في سلكنا ، نحن الذين نعمل ، ونفكر ، ونحلم ..نحلم
حتى بأن تكون لنا القدرة على الكتابة فوق الماء والقبض على الريح
والنقش على السراب ،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق