لما ("كان - الكتاب -يتضمن اوصافا تخص كل زمان ومكان ، فعلى الارجح ،لن يلف
النسيان هذا النتاج أبداً )" هذا ماكتبه الاديب الفرنسي الشهير فولتير عن احد مؤلفات
الاديب والمفكر الفرنسي لابرويير الموسوم (الاطباع او اخلاق عصر) يتوفر هذا الكتاب
بنسخة قديمة شاحبة اللون تضم مائة صفحة من الحجم الصغير لكل من جزئي الكتاب
الذي كان فيما يبدو مهيئاً للاستعمال الاكاديمي الدراسي . لكنه بقي مرجعا سريع الاستشارة
بمواضيعه المبوبة وما حملته من انطباعات انسانية وتحليلات عميقة للنفس البشرية . مع
تعريفات دقيقة مفعمة بالايماءات الذكية واللاذعة بان واحد . لمختلف النماذج البشرية
وفق تخصصاتها ومستوياتها
ولقدر مايغور المؤلف في اعماق الانسان فانه يحتفظ في الوقت نفسه بطابعه المعاصر
وتصح فيه توقعات فولتير ... وقبل تقديم بعض المقتطفات المختارة من الكتاب يجدر ان
تعطي لمحة سريعة عن حياة مؤلفه (لابرويير) الذي رحل قبل ثلاثة قرون وتحديداً في
عام 1697 عن عمر لايتعدى الحادية والخمسين سنة استطاع خلالها ان يخلف اثراً ذا
شان في الادب العالمي ، شق طريقه في وقت مبكر ، فحصل على شهادة الليسانس 1665
وهو في سن العشرين دخل برلمان باريس محاميا عام (1673) وكان مقلا في المرافعات
اختير عام 1684 ضمن اساتذة النخبة لتدريس دوق بوربون . ظهركتابه (أخلاق عصر)في
مطلع عام 1688 متزامناً مع ترجمته لكتاب (الطباع) للاديب اليوناني (ثيوفراست) وكان
قد عرض مخطوطة كتابه على (بوالو) وهو من ادباء النخبة في العصر الذهبي الذي
ورد له تنويه عن المخطوطة في رسالة بعث بها الى الكاتب المسرحي (راسين) تحمل
تاريخ 19-5-1987 ومالبث ان حقق الكتاب رواجاً شديداً فصدرت طبعته الثامنة سنة 1694
اي بعد عام من تتويج لابرويير عضوا في الاكاديمية الفرنسية في 15 حزيران 1693
في غضون الاعوام 94 - 1696 انجز لابرويير اخر كتاب في حياته حوارات في مذهب
الطمأنينة ( نهج تصوفي يرى ان الكمال يقوم على حب الله وسكون الروح ) .. وكان
يقرأ بأعتزاز بعض صفحاته على (انطوان بوسويت) مطران ابرشية مو .. كان ذلك قبل
يومين من وفاته المفاجئة متاثرا بجلطة في الدماغ قي ليلة 11 مايس 1696 رحل وهو
في اوج عطائه
تتمحور موضوعات الكتاب بجزئيه على ابواب مختلفة نذكر منها : الانسان ، الخطابة ،
الملك ، العظماء ، الاحكام ، الموضة ، وغيرها من الابواب التي ترشح الكتاب كونه
جديراً بالترجمة ، ونقتصر هنا على مقتطفات منها
ثلاثة احداث لأغيرها تمر بالانسان ، الولادة ، الحياة والموت ،
لايشعر عندما يولد، يتألم حتى الموت ينسى ان يعيش حياته
الاسف الذي يراود الناس على سوء استعمالهم للوقت الذي مضى ..
قلما يؤدي بهم الى حسن استخدام الوقت المتبقي من حياتهم
هناك من يخشى الشيخوخة ليس لسبب سوى لكونه غير واثق من بلوغها
ليس هناك شيء مثل الحياة اكثر مايحب الناس الاحتفاظ به
ولكنه اخر مايهتمون في المحافظة عليه
احيانا لايقتضي الامر سوى ، بيت لطيف يرثه المرء ، اويجد نفسه فجأة
مالكاً لحصان أصيل او كلب جميل ، او مجموعة سجاد او ساعة جدارية
لتهدئة الم كبير لديه ولتخفيف المعاناة من مصاب جلل
من يقول بأنه لم يولد سعيداً ، كان في الاقل بامكانه ان يكون كذلك بالاحساس
بسعادة اصدقائه واقاربه لكن الحسد يحرمه من هذا المصدر الاخير للسعادة
الحياة قصيرة ، نمضيها كلها في التمني ، يرجيء المرء راحته وافراحه الى
المستقبل ، أي الى العمر الذي غالبا ماتختفي فيه افضل نعم الصحة والشباب
يحل هذا الوقت ليفاجئنا ونحن مازلنا نتمنى المزيد ، وأذا بالحمى تصارعنا
وتطفينا ، وحين نشفى منها نعود لنستغرق في التمني
اعلم بالتحديد مايمكنك ان تنتظره من الناس عموماً ، ومن كل واحد منهم
بخاصة ، ثم أرتم في عالم المجتمع
ماأغربهم من أباء ، اولئك الذين يمضون عمرهم ، على مايبدو،
وهم يعدون اسباب العزاء عن وفاتهم
يأتي الموت مرة واحدة ... غير انه يجعل الناس تحس به
في كل وقت ، حتى غدا الخوف من الموت اقسى من تحمله
هؤلاء الاولاد متعجرفون ، كثيرو الاشمئزاز غضوبون حسودون
فضوليون ، مصلحيون ، كسالى مخوافون ، مزاجيون ، كًذبه ،
منافقون . سريعو الضحك والبكاء ، لتوافه يفرحون دون اتزان
أو يحزنون بلا حدود ، لايتحملون اي سوء بل يحبون الاساءة
هكذا هم هؤلاء الاولاد - هاهم منذ الآن قد اصبحوا اناساً كبارا